في بداية الثمانينات من القرن الماضي، سُحقت حركة الاخوان المسلمين التي تصدرت موجة الاحتجاجات ضد النظام السوري، وبدأت سلطة الأسد الأب تستشرس ضد كل معارضيها دون استثناء، آلاف الرجال والنساء اعتقلوا، اختفى عدد غير معروف من المتهمين بالانتماء إلى تنظيم الاخوان المسلمين. وواجهت كل الأحزاب قمع نظام الأسد الأب بعد أن خرج منتصراً على معارضيه ومناهضيه بمساندة وصمت دوليين. أنا ابنة ذاك الجيل، جيل آلاف الضحايا والمعتقلين والمفقودين في الثمانينات، الجيل الذي تجرّع صنوف الوحشية ألواناً لم تزل مطبوعة على أجساد بعض المعتقلين كأذيات جسدية واضحة، أو كتطويع للجسد والارادة (وهذه الظاهرة منتشرة أكثر بين معتقلي الاخوان المسلمين الذين تعرضوا لتعذيب عنيف طويل ومنهجي وقضى معظمهم فترات طويلة في سجن…
-
-
سعاد نوفل… السورية الشجاعة تخجل أن تفرح لوحدها !
“لا تعتقلوني، اقتلوني كما قتلتم أطفال حمص” هذا ما كتبته سعاد على “كرتونة” صغيرة رفعتها في شارع تل أبيض التجاري في الرقة، وسارت بها عكس اتجاه السير ليتمكن الجميع من قراءتها، ما أذهل أهل المدينة الصامتة نهاراً والتي تتقلب على جمر انتظار قدوم الليل لتخرج في مظاهرات طيّارة (سريعة) خشية بطش نظام المجازر، الذي كان آخرها مجزرة “كرم الزيتون” في حمص والتي أشعلت ارادة سعاد في التحدي السافر، على الضد مما تبتغيه الوحشية من تعميم الرعب وسحق الارادة واجتثاث أي شعور بالتضامن والتعاطف، حيث الثمن الفاحش ظاهر للعيان بدلالة المجازر المستمرة! لم تكن فكرة الكتابة على “كرتونة” من ابتكار سعاد، فقد سبقها إليها آخرون، لكنها وجدت في الكرتونة وسيلة تعبير…
-
طفلة لا زوجة
تزويج القاصرات هو أحد أنواع العنف الصامت (والعنف الصريح غالباً حيث يتم إجبار القاصر على الزواج بالقوة والتهديد) تجاه حق الحياة المصان في كل الشرائع والدساتير والأعراف، وتجاه حقوق الأطفال بالذات، حيث يتم قطع السيرورة الطبيعية والاجتماعية لنمو وتطور الطفلة/ الأم، وقسرها عبر إقحامها في سيرورة الحياة الزوجية والأمومة، المختلفة نوعياً عن طبيعة حياتها كطفلة تحتاج الرعاية والاهتمام، ومصادرة نمو سليم ومعافى للطفل والطفلة/ الأبناء، مادامت مجتمعاتنا لاتزال تعتمد على التنشئة الأسرية للأولاد، فما الذي تستطيع طفلة أن تقدمه لأبنائها من رعاية وتأهيل لم يسبق لها أن حازتهما. كما يعتبر عنفاً ما تتعرض له من حرمان من اللعب والدراسة ومحاولة فهم العالم والمحيط، وإجبارها على تلقين الأولاد ما لم تتعرف…
-
عن سميرتنا, شبيهتنا, بفارق علامتين
مضى عام يا سميرة، ولم أفلح في الكتابة عنكِ! تباً ليدي! منذ عام لم تعرفا كيف تنهيا رسالة أو بوست بدأته عشرات المرات؟!. هذه المرة أيضاً، كنت أنتظر معلّلة النفس بأمل أن تأتي وتزيحي عني عبء شرح البداهات وتبريرها، حيث بتنا نتجادل ونختصم حتى في شأن مطالبتنا بحرية أحبتنا، حلمت أن تعودي كعادتك مقبلة ضاحكة نقية بلا ضغائن ولا عتب، أن تشكري الجميع على ما فعلوه وما فكروا فيه ولم يفعلوه، وأن تعذري حتى أؤلئك الذين لا يطلبون عذراً، لأنهم لا يخطئون! في الكتابة عن سميرة رهبة لا أعرف مصدرها، لعله بسبب التحدي المفروض على أي كتابة تجاه طيبة سميرة وبساطتها وعفويتها واجتماع انحيازها الفطري الحار إلى وعيها وضميرها اليقظ،…
-
كتاب اللغز الأنثوي
قراءة سورية لكتاب “اللغز الأنثوي” في سيرة بحثية علمية نظرية وعملية مبنية على القراءات النقدية والبيانات والاستبيانات والملاحظات والإحصاءات، متداخلة مع السيرة الشخصية، تشيد فريدان بناء مكوناً من أربعة عشر فصلاً، استغرق العمل فيه خمس سنوات، لتكشف عن ماهية اللغز الأنثوي المتمثل بالصورة النمطية التي أنتجها المجتمع الأمريكي في الخمسينيات للمرأة/الأم وربة المنزل السعيدة، المرأة الجميلة بفضل تطور صناعات التجميل وذات الشباب الدائم! وأمّ الأولاد الذين تحرص على تقبيلهم والحفاظ عليهم بقربها، والزوجة دائمة الابتسام لزوجها المنهك بتأمين البيت الفسيح والسيارة والأقساط ومستلزمات بقاء الأسرة وربّتها في نعيم العطور والأناقة والبهجة. هذه الصورة/اللغز لم تكن كافية لتجلب الرضى الذاتي للمرأة ولا لزوجها أو لأطفالها، ولا للمجتمع بالطبع، إذ تجد الكاتبة…
-
المرأة “الدمية” و الرجل “الكيوت”, عصر السيليكون
هل يمكن أن ينفجر السيليكون في يدي أو داخل فمي؟ هل سأتلوّث بمفرزات قذرة؟ وهل تعتبر العلاقة مع الروبوتات الجنسية خيانة زوجية؟ ماذا لو تعرّضت الدمية إلى قرصنة أدّت إلى إيذاء المستخدم أو قتله بدلاً من خدمته وإمتاعه؟ إنها بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً عن الدمى الجنسية وشبيهاتها من الجيل الإلكتروني المطوّر الذي يَعد بإمكانات غير مسبوقة. فبعد أن كانت بحسب المروّجين ” سيّدة حقيقية، خيالية، دائماً على استعداد…” أصبح من المتوقّع أن تصبح أُمّاً وتنجب أطفالاً في السنوات القليلة القادمة. الأمر الذي يعني أن عالم السيليكون صار واقعاً ومستقبلاً (ربّما)، ما يفترض أن عمليات البحث عن مصادره وتنقيته وتحسينه ستشكّل ملامح مرحلة تذكّر بفورة اكتشاف النفط وما نتج عنها من…
-
نص فائز بجائزة بوح نسائي التي أقامتها مجلة سيدة سوريا عام 2015 “سيرة حياة لقمة المعمول”
(سجون بطيئة) “بكرا لمّا يطلعوا إخواتك بخير وسلامة، نعمل كذا..” صرلي ستة عشر سنة أسمع هذه المعزوفة، والحمدلله طلعتوا أخيراً قبل ما تطلع روحنا، لنشوف شو رح يصير! هكذا تسخر أختي الشقية ملخصة سيرة بؤس مراهقتها التي أفضت إلى زواج سريع في بداية الثامنة عشرة من عمرها. فقد بقيت وحيدة مع أمها في المنزل الذي لم يمل عناصر الأمن من اقتحامه لاعتقال إخوتي، ثم من طرق بابه للسؤال عني حين كنت مطلوبة للأمن ومتوارية عن الأنظار. على العكس، ربما جمال أختي كان يحفزهم أن يجدّوا في البحث عني ليل نهار، وهم يحومون حول منزل أهلي. بمكابرتها المعهودة ترّد أمي: نحن بألف خير ونعمة من الله وأحسن من غيرنا بكتير، الحمدلله…
-
لاجئون سوريون في باريس, لم نقع في الحب بعد
مثل الكثير من السوريين، أحفظ في رأسي صورة ذهنية نمطية عن باريس: عاصمة الآداب والفنون، الأناقة والموضة والعطور، الحب والرومانسية والحريات، وماذا عساه يريد الانسان أكثر…” هكذا بدأت “يارا” قصة شوقها إلى الحب وسط ضحكات وايماءات سوريين آخرين ساخرين من اخفاقاتهم الأولى. الحب واللغة الحب لغة عالمية، هذا ما يقال، أما بالنسبة ليارا ” أكثر ما أحبطني في محاولات الحب هو اللغة، بأي لغة أفكر به؟ بأي كلمات سأتنهد وأشتكي لوعتي؟ قال لي اشتقت لك. بالفرنسية: تعني حرفياً أنت تنقصيني، أو أفتقدك أو أحتاجك. شيء ما يحتاج إلى شرح في قاموس مشاعري المحايدة تقريباً تجاه هذه العبارة التي تبدو مفعمة بالمعنى أكثر من اشتقت لك العربية. لكني لا أستطيع تذوقها…
-
لاجئات سوريات في باريس
الصحّة النفسيّة للسيّدات السوريّات في دول الاستقبال” كان هذا عنوان المحاضرة التي ألقتها طبيبةٌ نفسيّةٌ سوريّةٌ بدعوةٍ من جمعيّةٍ حديثة النشأة وأمام “جمهورٍ” صغيرٍ لا يتعدّى عشرين امرأة. وفي حين ركّزت المحاضرة على تقديم تعريفاتٍ لـ “صدمة الهجرة” وأعراضها وأهمّيّة العناية بالصحّة النفسيّة للمرأة الأمّ خاصّة، شكّلت أسئلة الحاضرات التي طُرحت داخل المحاضرة وعلى هامشها مادّةً غنيّةً ينبغي أن تأخذ حقّها في الدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة في ما يتعلّق بقضيّة اللاجئين عمومًا. إنّ مفرداتٍ مثل سيّدات سوريّات، بلدان الاستقبال، صدمة الهجرة… إلخ تساهم في تعويم المشكلة بدلًا من محاولة حلّها عبر تحديد مفرداتها بدقّةٍ علميّةٍ وواقعيّة. ففي واقع الأمر كانت الحاضرات واعياتٍ لمعاناتهنّ النفسيّة وراغباتٍ في التعافي، لكنّ المشكلة عندهنّ كانت…
-
عذابات السوريين والحاجة إلى العذوبة
“أكبر عدو للسلطة، وأضمن طريقة لتقويضها، هو الضحك” لاحظت حنا أرندت أن “أكبر عدو للسلطة، وأضمن طريقة لتقويضها، هو الضحك” في اشارة إلى أهمية السخرية وقدرتها على التعبير عن مكامن الخلل في علاقتنا بالسلطات المتعددة القابضة على مفاصل حياتنا. مجموعة “الميمز” احدى المجموعات الساخرة التي تستطيع بوخزة عذبة أن تنكأ دمامل صلبة متجهمة تخفي وجوهاً متعددة من القبح الرصين والتسلط المقدّس. احدى منشورات الميمز تتناول “الصراع” المرير بين المرأة والرجل: تتأمل المرأة في “سي السيد” المُشتهى لتخلص إلى تصنيف حاسم جازم لمراحل تطوره (متجاهلة مسؤوليتها ومسؤولية المجتمع أساساً) كما يلي: “مراحل نمو الرجل: طفل غليظ، مراهق متهور، شاب صايع، زوج خاين، أب مهمل، ختيار داير بالبيت عم يطفي اللمبات”!…