وظائف الأمومة : قبل التلفاز، كانت الحكاية إحدى وظائف الأمومة، حتى أننا درجنا على نسخ مواضيع التعبير السنوية عن “عيد الأم” من كتب الإنشاء التي تزخر بتعداد موجبات تقدير الأم، فإذ بها إلى جانب سيل الخدمات التي تؤديها، لا تهمل واجبها الاجتماعي والوطني بزرقنا بحقن “الثقافة” عبر حكايات ما قبل النوم. كانت حكاياتنا مفعمة بالوعظ والأحكام. إحداها مثلاً حكاية “عروج ومروج” التي تشبه حكاية شعبية تونسية اسمها “أمي سيسي” حيث يتعاطف النهر مع القط ويجبر الآخرين كل بدوره على بذل ما يمكن لإنقاذه. أما في نسختنا السورية، فكانت العصا هي التي تنهض لتأديب الكسالى فيهرع الجميع إلى أعمالهم! وكانت الترنيمة التي ينبغي ترديدها قبل تمنّي الخير والأحلام السعيدة: العصا خرجت…
-
-
الخالة فطينة
“روب دي شامبر”: هي من جيل سعى إلى موت هادئ في الستين من العمر، بعد أن يتزوج الأولاد ويمتلئ صحن الدار بالأحفاد، وبعد أن تكون هي و “الحجي” زوجها جالسين على شرفة مربع “العلّية” (غرفة النوم)، يشربان قهوة العصر، وهي في ثوب نومها الفيروزي المستتر تحت “روب دي شامبر”. لا تحب الخالة فطينة أن تتخلى عن هذه التسمية الفرنسية. تشعر أن فيها نوعاً من الرفاه والإيحاء، حيث تعتقد أن مصدرها عثماني من أيام “الحرملك”! بيضاء وشقراء: نشأت فطينة في عائلة حلبية فقيرة. لم تكن جميلة، لكنها كانت بيضاء وشقراء، ما يعني امتلاكها جواز مرور ربانيا باتجاه الترقي على درجات السلم الاجتماعي. فالخاطبات يعرفن ما الذي ينفع الذكور: وجه حلو ومؤخرة…
-
عن البلد وهدر الجسد
برغم أنه فجعنا بمصارحتنا أن قمر العشاق ليس إلا مكاناً معتماً وبارداً، مليئاً بالحفر والتضاريس، إلا أننا كنا نزداد تعلقاً به وبدروسه. مدّرس العلوم الطبيعية اليساري الذي كان يجرؤ أن يتحدث عن الجسد بعد صراع دموي بات يُشار إليه بعبارة محايدة: “أحداث الثمانينيات” في سوريا، ليخبرنا أنه ينبغي معرفة خارطة الجسد قبل خارطة البلد! وهل يتحرّق المراهق إلى معرفة شيء أهم من الجسد وتحولاته؟ هيهات أن ترتوي مما تشتهي معرفته. كان علينا أن نقطع طريقاً متعرجة شائكة، نمرّ فيها على كل مخلوقات الأرض من وحيد الخلية إلى الديناصور، أن نعبر المجاري التنفسية للسمك ونحفظ عن غيب أجزاء جهاز اطراح الصرصور وطرق تكاثر النباتات، ونستبطن كل طبقات الأرض، لننتهي إلى معرفة…
-
في البحث عن حكاية لطارق ..
كَمَن يكابد شهوة ممضّة، وبصوت ضجِرٍ آمر، باغتني طارق: بدّي (أريد) حكاية ! طارق الذي لا يعلم شيئاً عن تعليمات مركز إيواء النازحين في ريف دمشق، التي تمنع المتطوعين من الاقتراب من تفاصيل وخصوصيات الأطفال، عاجلني بأمر آخر: بدي حكاية ما فيها حرب ! في المركز الذي لا أدري من أية مرجعية يستقي تعليماته، أوعزوا لنا أن نشاغل الأطفال عن همومهم بالنشاطات واللعب النهاري، سكتوا عن الليل وشجونه، ولم يفطنوا إلى احتمال طفل يطلب حكاية في عزّ الظهر ساهياً عن صخبنا البهلواني ونحن نحاول استيلاد فرح وسكينة من رعب ودماء! ليد طارق قضية لا تخطئ هدفها (كم من الأطفال أصبحوا من دون أطراف!) فهي تعلقت بثياب نازحة من الحجر الأسود…
-
أجيال من كرديات لا تعرفهن الكاميرات
كاملة التي كبرت بين جحيمين: الذاكرة والحياة.. «وقرعان (قرآن) صدر سيدي».. لا يملك المرء أمام هذا الحلفان إلا الغفران! حتى لو كادت طفلته تكون ضحية اعتقادات مربيتها كاملة. ببساطة كانت كاملة تعتقد أن المسيحيات فقط يمكن أن يولدن شقراوات بعيون خضراء، ولذلك ارتابت من وجود طفلة ملونة في منزل الشيخ العربي المسلم، فما كان منها إلا أن نزعت الدبوس عن فتحة ثوبها وهمّت بنقش الصليب على صدر الطفلة بغية استعادة حقها «المنتهك» في حمل هويتها، وفق تهيؤات مخيلة كاملة المثخنة بقصص ومرويات ضحايا المجازر التركية وما خلفته من نازحين ومهجرين ومفقودين وعائلات مكلومة بتغيير أسماء أولادها أو كنياتها تجنباً للانتقام، وأطفال تركوا في الطرقات وقد شارفوا على الموت. كل القصة…
-
لاجئون سوريون في باريس، لم نقع في الحب بعد
ضحى عاشور– مثل الكثير من السوريين، أحفظ في رأسي صورة ذهنية نمطية عن باريس: عاصمة الآداب والفنون، الأناقة والموضة والعطور، الحب والرومانسية والحريات، وماذا عساه يريد الانسان أكثر…” هكذا بدأت “يارا” قصة شوقها إلى الحب وسط ضحكات وايماءات سوريين آخرين ساخرين من اخفاقاتهم الأولى. الحب واللغة: الحب لغة عالمية، هذا ما يقال، أما بالنسبة ليارا ” أكثر ما أحبطني في محاولات الحب هو اللغة، بأي لغة أفكر به؟ بأي كلمات سأتنهد وأشتكي لوعتي؟ قال لي اشتقت لك. بالفرنسية: تعني حرفياً أنت تنقصيني، أو أفتقدك أو أحتاجك. شيء ما يحتاج إلى شرح في قاموس مشاعري المحايدة تقريباً تجاه هذه العبارة التي تبدو مفعمة بالمعنى أكثر من اشتقت لك العربية. لكني لا…
-
هذه ثقافتهم، أين ثقافتنا؟
جرى مؤخراً اغلاق ملحقين ثقافيين في لبنان(ملحق نوافذ المستقبل وملحق النهار)، واغتيال سوريين عاملين في “الحقل الثقافي” في تركيا هم: “ابراهيم عبد القادر” و”فارس حمادي” من حملة “الرقة تذبح بصمت” و”ناجي الجرف” رئيس تحرير جريدة “حنطة”. هذه الأحداث التي تجري في سياقات متباينة بينها رابط جليّ هو استهداف الثقافة والمشتغلين فيها عبر تهديدهم بلقمة عيشهم وصولاً إلى التجرؤ على انهاء عيشهم ذاته. وبين هذين الحدّين تكاد لا تخلو يوميات حياتنا من اعتداءات وتهديدات وخطف واعتقال وتسريح من العمل أو منع من النشر أو دفع للاستقالة تطال كاتباً هنا وصحفياً هناك دون أن نغفل الفنانين وسواهم. ما يجعل الثقافة والمثقفين في وضع الحائط الواطئ الذي يستقوي الجميع عليه، يتسلقونه ويعبرون فوقه…
-
سنة أولى هروب، و وحشة فقدان اليقين
كلمة ألقيت في مدينة تولوز الفرنسية يوم 10 اكتوبر2015 بدعوة من مجموعة التضامن تولوز ــ سوريا «Le Collectif Toulouse Syrie Solidarité». «سقف الوطن»: شاعَ استخدامُ مصطلح «سقف الوطن» في سوريا بعد الثورة 2011، بفضل إعلام النظام وسياسييه ومنظّريه، حيث جرى تحديد وفرز السوريين على أساس أن كل من يقول بالاصلاحات الشكلية يمكن قبوله تحت سقف الوطن، أما المطالبون بإصلاحات جذرية والمشاركون بالثورة فهم خارج سقف الوطن، أي عملاء للخارج العدو الشرير، وبالتالي يستحقون معاملة الخونة! مطلع آب الماضي اعتُقلت الصبية لانا مرادني، ابنة أصدقاء عانوا سابقاً من الاعتقال، كتبت أمها أنها سعيدةٌ لأنها تستطيع أن تُخبر الناس عن اعتقال ابنتها، ولأن الأصدقاء لا يتنكرون لمعرفتهم بها. يُذكر أن الصبية لانا مهندسة…
-
مليون معاق في سوريا … أفكار أولية للتعامل مع الإعاقات
تفيد احصاءات منظمة الصحة العالمية بوجود مليار انسان مُعاق، أي ما نسبته 15% من عدد سكان الأرض، أي ما يعادل شخص معاق في كل عائلة من سبعة إلى ثمانية أفراد. لكن هذا التوزيع افتراضي نوعاً ما، إذ تكشف المعطيات أن 80% من الإعاقات تتواجد في القسم الجنوبي من كوكبنا (التعيس) وتزداد طرداً تبعاً للفقر والجهل والحروب. وقد بلغ نصيب السوريين من الإعاقة حتى نهاية 2014 حوالي مليون انسان معاق بدرجات متفاوتة، مع ترجيح تفاقم حالاتهم نتيجة الحرب المستمرة والافتقار المتزايد لشتى صنوف العلاج والأدوية والرعاية بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية ونوعية الغذاء والماء والصرف الصحي. ورغم وجود أسباب كثيرة تحول دون أرقام دقيقة في مجال الإعاقة في العالم وفي سورية تحديداً،…
-
تمرينات سورية على حرية التعبير ومسؤوليته
يا للروعة، وكأننا نحلم! إذ وبفضل التكنولوجيا الرقمية، أضحى بإمكان كل فرد أن يصبح كاتباً وصحافياً، بل وأن يتحول إلى ناشر وصاحب مطبوعة يتحكم بمساحتها ومواعيد صدورها ورسالتها ونوعية موادها.. الخ. هل ازدهرت حرية التعبير جراء التنوع الهائل لآراء البشر والامكانات الوفيرة للتعبير عنها والتفاعل معها؟! الإجابة الأكثر شمولية على مستوى العالم أتت متضمنة في الورقة المفاهيمية التي تناقشها اليونسكو ما بين 2ـ4 أيار، في (ريغا ـ لاتفيا) والتي تركز على ثلاثة محاور تتعلق بحال حرية التعبير الصحافي، في القلب منها: تنامي انتشار خطاب الكراهية. الاعتداء الفعلي واللفظي على النساء الصحافيات مشفوعاً بالاساءة إلى صورة المرأة عموماً وبالحد الأدنى الاستمرار في تقديم الصورة النمطية (السلبية)عنها. تزايد تعرض الصحافيين إلى الموت والخطف…