تعليقاً على المناظرة الأخيرة بين مارين لوبن وماكرون العام الماضي، قال أحد الصحافيين: “لم ينقص المناظرة إلا قفازات الملاكمة”. حمّلت لوبن مسؤولية معظم الأوضاع المتردية في فرنسا إلى اللاجئين والسياسات الحكومية المتساهلة معهم، وطالبت بطرد قسم منهم والتوقف عن استقبال المزيد، وحرمانهم من حقوق الصحة والتعليم المجانيين وحصرها بالمواطنين الفرنسيين. وللأمانة لم تذكر لوبن السوريين، لكنها كانت ساخطة على الجميع والأجانب عموماً، ودعت إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوربي، معللّة كل مطالبها بأن الفرنسيين “يشعرون بأن هويتهم وسيادتهم تُنتزع منهم”. لم يكسب ماكرون المناظرة فحسب، بل فاز بالرئاسة أيضاً. لكنه في خطاب التنصيب أكد “يجب التغلب على الانقسامات والتمزق في مجتمعنا”، وأشار في أكثر من مناسبة إلى تفشّي التهرب الضريبي…
-
-
المرأة “الدمية” و الرجل “الكيوت”, عصر السيليكون
هل يمكن أن ينفجر السيليكون في يدي أو داخل فمي؟ هل سأتلوّث بمفرزات قذرة؟ وهل تعتبر العلاقة مع الروبوتات الجنسية خيانة زوجية؟ ماذا لو تعرّضت الدمية إلى قرصنة أدّت إلى إيذاء المستخدم أو قتله بدلاً من خدمته وإمتاعه؟ إنها بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً عن الدمى الجنسية وشبيهاتها من الجيل الإلكتروني المطوّر الذي يَعد بإمكانات غير مسبوقة. فبعد أن كانت بحسب المروّجين ” سيّدة حقيقية، خيالية، دائماً على استعداد…” أصبح من المتوقّع أن تصبح أُمّاً وتنجب أطفالاً في السنوات القليلة القادمة. الأمر الذي يعني أن عالم السيليكون صار واقعاً ومستقبلاً (ربّما)، ما يفترض أن عمليات البحث عن مصادره وتنقيته وتحسينه ستشكّل ملامح مرحلة تذكّر بفورة اكتشاف النفط وما نتج عنها من…
-
هذه ثقافتهم، أين ثقافتنا؟
جرى مؤخراً اغلاق ملحقين ثقافيين في لبنان(ملحق نوافذ المستقبل وملحق النهار)، واغتيال سوريين عاملين في “الحقل الثقافي” في تركيا هم: “ابراهيم عبد القادر” و”فارس حمادي” من حملة “الرقة تذبح بصمت” و”ناجي الجرف” رئيس تحرير جريدة “حنطة”. هذه الأحداث التي تجري في سياقات متباينة بينها رابط جليّ هو استهداف الثقافة والمشتغلين فيها عبر تهديدهم بلقمة عيشهم وصولاً إلى التجرؤ على انهاء عيشهم ذاته. وبين هذين الحدّين تكاد لا تخلو يوميات حياتنا من اعتداءات وتهديدات وخطف واعتقال وتسريح من العمل أو منع من النشر أو دفع للاستقالة تطال كاتباً هنا وصحفياً هناك دون أن نغفل الفنانين وسواهم. ما يجعل الثقافة والمثقفين في وضع الحائط الواطئ الذي يستقوي الجميع عليه، يتسلقونه ويعبرون فوقه…
-
سنة أولى هروب، و وحشة فقدان اليقين
كلمة ألقيت في مدينة تولوز الفرنسية يوم 10 اكتوبر2015 بدعوة من مجموعة التضامن تولوز ــ سوريا «Le Collectif Toulouse Syrie Solidarité». «سقف الوطن»: شاعَ استخدامُ مصطلح «سقف الوطن» في سوريا بعد الثورة 2011، بفضل إعلام النظام وسياسييه ومنظّريه، حيث جرى تحديد وفرز السوريين على أساس أن كل من يقول بالاصلاحات الشكلية يمكن قبوله تحت سقف الوطن، أما المطالبون بإصلاحات جذرية والمشاركون بالثورة فهم خارج سقف الوطن، أي عملاء للخارج العدو الشرير، وبالتالي يستحقون معاملة الخونة! مطلع آب الماضي اعتُقلت الصبية لانا مرادني، ابنة أصدقاء عانوا سابقاً من الاعتقال، كتبت أمها أنها سعيدةٌ لأنها تستطيع أن تُخبر الناس عن اعتقال ابنتها، ولأن الأصدقاء لا يتنكرون لمعرفتهم بها. يُذكر أن الصبية لانا مهندسة…
-
مليون معاق في سوريا … أفكار أولية للتعامل مع الإعاقات
تفيد احصاءات منظمة الصحة العالمية بوجود مليار انسان مُعاق، أي ما نسبته 15% من عدد سكان الأرض، أي ما يعادل شخص معاق في كل عائلة من سبعة إلى ثمانية أفراد. لكن هذا التوزيع افتراضي نوعاً ما، إذ تكشف المعطيات أن 80% من الإعاقات تتواجد في القسم الجنوبي من كوكبنا (التعيس) وتزداد طرداً تبعاً للفقر والجهل والحروب. وقد بلغ نصيب السوريين من الإعاقة حتى نهاية 2014 حوالي مليون انسان معاق بدرجات متفاوتة، مع ترجيح تفاقم حالاتهم نتيجة الحرب المستمرة والافتقار المتزايد لشتى صنوف العلاج والأدوية والرعاية بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية ونوعية الغذاء والماء والصرف الصحي. ورغم وجود أسباب كثيرة تحول دون أرقام دقيقة في مجال الإعاقة في العالم وفي سورية تحديداً،…
-
تمرينات سورية على حرية التعبير ومسؤوليته
يا للروعة، وكأننا نحلم! إذ وبفضل التكنولوجيا الرقمية، أضحى بإمكان كل فرد أن يصبح كاتباً وصحافياً، بل وأن يتحول إلى ناشر وصاحب مطبوعة يتحكم بمساحتها ومواعيد صدورها ورسالتها ونوعية موادها.. الخ. هل ازدهرت حرية التعبير جراء التنوع الهائل لآراء البشر والامكانات الوفيرة للتعبير عنها والتفاعل معها؟! الإجابة الأكثر شمولية على مستوى العالم أتت متضمنة في الورقة المفاهيمية التي تناقشها اليونسكو ما بين 2ـ4 أيار، في (ريغا ـ لاتفيا) والتي تركز على ثلاثة محاور تتعلق بحال حرية التعبير الصحافي، في القلب منها: تنامي انتشار خطاب الكراهية. الاعتداء الفعلي واللفظي على النساء الصحافيات مشفوعاً بالاساءة إلى صورة المرأة عموماً وبالحد الأدنى الاستمرار في تقديم الصورة النمطية (السلبية)عنها. تزايد تعرض الصحافيين إلى الموت والخطف…
-
وعي دور الذات الثورية
“ما في للأبد، ما في للأبد.. سوريا لنا وما هيّ لبيت الأسد..” يعرف السوريّون كلّهم ماذا يعني هذا الشعار الذي يبدو غريباً ببداهته الساذجة بالنسبة لمراقب خارجيّ أو لمن كان من ثقافة أخرى. لكنّه بالنسبة للسوريّين ولجيرانهم على الأقلّ، بدا وكأنّه تجّلٍ لحَمل عزيز لا يحدث أكثر من مرّة في العمر. وبصرف النظر عمّا ستؤول إليه الأوضاع في سورية بعد زمن قريب أو بعيد، ورغم استمرار بشّار الأسد في الرئاسة، إلّا أنّ سقوط فكرة الأبد “السوريّة”، دين العهد الأسديّ، تعتبر من أهمّ محرّكات ودوافع الثورة، وبالتالي من أهمّ انجازاتها التي تحصّلت بالغالي من الدم والمرير من الوقت والخسائر. رغم انقضاء سنوات أربع على بداية الثورة، ورغم كلّ ما قيل وفُعل…
-
أنا إنسان، درّة شعارات الثورة السورية وجوهرها
العفوية التي انطلقت بها الثورة السورية، وتأثرها بالثورات المشتعلة آنذاك انعكسا بشكل واضح على طبيعة شعاراتها، وإذ تشابهت الشعارات وتقاطعت مرات ومرات مع نظيراتها في ساحات تونس، مصر، ليبيا،البحرين، سورية، اليمن، إلاّ أنّ شعار «أنا إنسان ماني حيوان وهالعالم كلها متلي» الذي جاء كردّة فعل من الرجل السوري «محمد أحمد عبد الوهاب» وهو يتعرّض لتعذيب فظيع ومهين عبر دعسه بالأقدام وإذلاله بإجباره على تقبيل أحذية جلاديه من الشبيحة وإكراهه على ترديد كلام يمجّد «الرئيس» ويحقّر النفس والحرية والثورة. كان هذا الإعلان/ الهتاف الذي تردّد في أكثر من مناسبة وكُتب على جدران ولافتات، يفصح عن خصوصية الوضع السوري وفرادته التي اكتُشفت خلال الثورة وكشفت عبر مجرياتها الكثير عن المحيط والعالم. نصيب الثورة…
-
وسائل الاتصال الحديثة عقبات وممكنات
تتحدث آخر الأرقام عن أربعة مليارات ونصف المليار من الإعجابات (اللايكات) اليومية التي يضعها مشتركو الفايسبوك على منشورات بعضهم البعض. ما يوحي بأن العالم ليس “قرية صغيرة” فقط، بل قرية معجبة ببعضها ومتحابة أيضاً! إذا كان التواصل يقرّب بين الناس، فلمَ تسود الكراهية القاتلة إذن؟ ولمَ ينفق العالم المتمدن تريليون ونصف التريليون من الدورلات على التسلح؟ لا يمكن إنكار فضائل الليبرالية (الحرية الرأسمالية)، التي عممت منتجاتها التقنية والعلمية والفكرية على البشرية في سياق بسط سيطرتها على العالم بما يتوافق مع مصالحها في توسيع أسواقها وتطويع القوانين والأنظمة الاقتصادية، وما يتبعها من بنى اجتماعية وثقافية استهلاكية تحديداً، الأمر الذي يمثل الجانب الإيجابي في العولمة، ما حدا باتجاهات يسارية، بيئية ومناهضة للآثار…
-
حماة … مجزرة ولدت مجازر ..
بين عشرة آلاف وخمس وثلاثين ألفاً، يتراوح عدد ضحايا مجزرة حماة 1982 هكذا تقول الأرقام! كثيرة هي المناسبات التي مرّ أمامي هذا العدد، في كل مرة كان يعقد لساني ويشلّ عقلي عن التفكير! حتى الآن أعجز عن هضمه أوتفكيكه. هوّة غياب سحيقة: بين العشرة آلاف والخمس والثلاثين ألفاً، ليس فارق ارتياب حسابي بسيط، بينهما هوّة غياب سحيقة ابتلعت عشرين ألف سوري وسورية بينهم صبيان وبنات كانت لهم أحلام وأهل يخافون عليهم ويرتجفون لأنين مرضهم ويخشون عليهم من الحسد والبرد ويحتسبون من كل الشرور عدا أن يفقدوهم في “الثقب الأسود” للوحشية، بينهم رجال ونساء ربما كانوا عشاقاً أو يخططون لمتابعة الدراسة أو الزواج، ربما كانوا يحلمون أن ينفلتوا عن رقابة الأهل لبعض…