تحية طيبة للحاضرين، وتحية لأرواح المدافعين عن الحرية. قضيت ست سنوات ونصف كسجينة رأي في بلدي سوريا، في تسعينيات القرن الماضي. في السجن أصبحت أمّاً، حيث أنجبت ابنتي الوحيدة (ديانا)، وفيه أيضاً وُلدت نفسي لأصبح ما أنا عليه الآن. الحرمان في السجن اختبرت شتى صنوف الحرمانات المادية والمعنوية. مررت بأوقات عسيرة كنت أشفق فيها على نفسي من قهر الحاجة إلى لقمة نظيفة، كنت أحلم بتفاحة أو بيضة، ببضع قطرات من زيت الزيتون… كان أقصى طموحي أن أحصل على حمام ساخن أو ثياب بديلة عن ملابسي التي اهترأت على جسدي وأنا أرتديها ثلاثة أشهر متواصلة في “فرع الأمن” حيث تسلخ جلدي بفعل الرطوبة والعفن … كنت أخشى القوارض والحشرات التي تزحف…
-
-
رسالة إلى عليّ الشهابي ..
صباح الخير يا عليّ هي رسالةٌ إذن! سأتغاضى عن مكانك المجهول وكيفيّة إرسال الرسالة، وسأنعم بفرحةِالتواصل معك. وسأتخيّل أنك ستكون أحسن حالاً وسيشرق قلبك، وربما ستبتسم رغمَ حديث الشجون الذي ينخر أوقاتنا المحسوبة علينا كحياة. ولمَ لا؟!، فالرسالة دليلُ الاهتمام الشخصيّ الحميم بالمتلقّي، فما بالك إن كانت من امرأة!، وهذه المرأة التي هي أنا، ليست زوجةً ولا أمّاً ولا من الأخوات ولا من قبيلة الخالات والعمّات والجارات، ولا هي من الحبيبات السابقات، ولا من الصديقات، مع ذلك فهي فجأةتصبح «أهمَّ» واحدةٍ فيهن!، ابتسم يا عليّ، ولتطمئنْ نساءك، فأنا «الأهمُّ» للحظاتٍ، وبسبب البعد لا القرب، أعرف أيَّ إطراءٍ لسجينٍ يحمله سلامٌ من جارٍ بعيدٍ أو جارةٍ لم نحفظ اسمها، ليس أدفأ…
-
كلمة ألقيت في مدينة تولوز الفرنسية بدعوةمن مجموعة التضامن “Le Collectif Toulouse Syrie Solidarité”
سقف الوطن شاعَ استخدامُ مصطلح «سقف الوطن» في سوريا بعد الثورة 2011، بفضل إعلام النظام وسياسييه ومنظّريه، حيث جرى تحديد وفرز السوريين على أساس أن كل من يقول بالاصلاحات الشكلية يمكن قبوله تحت سقف الوطن، أما المطالبون بإصلاحات جذرية والمشاركون بالثورة فهم خارج سقف الوطن، أي عملاء للخارج العدو الشرير، وبالتالي يستحقون معاملة الخونة! مطلع آب الماضي اعتُقلت الصبية لانا مرادني، ابنة أصدقاء عانوا سابقاً من الاعتقال، كتبت أمها أنها سعيدةٌ لأنها تستطيع أن تُخبر الناس عن اعتقال ابنتها، ولأن الأصدقاء لا يتنكرون لمعرفتهم بها. يُذكر أن الصبية لانا مهندسة معلوماتية تعمل مع اليونسيف من أجل تعليم أطفال الغوطة المحاصرة قرب دمشق. هل لكم أن تتخيلوا هذه النعمة! نعمة أن…
-
شهادة شخصية … “ولدت لأعرفكِ، لأسميكِ … يا حرية”
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، سُحقت حركة الاخوان المسلمين التي تصدرت موجة الاحتجاجات ضد النظام السوري، وبدأت سلطة الأسد الأب تستشرس ضد كل معارضيها دون استثناء، آلاف الرجال والنساء اعتقلوا، اختفى عدد غير معروف من المتهمين بالانتماء إلى تنظيم الاخوان المسلمين. وواجهت كل الأحزاب قمع نظام الأسد الأب بعد أن خرج منتصراً على معارضيه ومناهضيه بمساندة وصمت دوليين. أنا ابنة ذاك الجيل، جيل آلاف الضحايا والمعتقلين والمفقودين في الثمانينات، الجيل الذي تجرّع صنوف الوحشية ألواناً لم تزل مطبوعة على أجساد بعض المعتقلين كأذيات جسدية واضحة، أو كتطويع للجسد والارادة (وهذه الظاهرة منتشرة أكثر بين معتقلي الاخوان المسلمين الذين تعرضوا لتعذيب عنيف طويل ومنهجي وقضى معظمهم فترات طويلة في سجن…
-
سعاد نوفل… السورية الشجاعة تخجل أن تفرح لوحدها !
“لا تعتقلوني، اقتلوني كما قتلتم أطفال حمص” هذا ما كتبته سعاد على “كرتونة” صغيرة رفعتها في شارع تل أبيض التجاري في الرقة، وسارت بها عكس اتجاه السير ليتمكن الجميع من قراءتها، ما أذهل أهل المدينة الصامتة نهاراً والتي تتقلب على جمر انتظار قدوم الليل لتخرج في مظاهرات طيّارة (سريعة) خشية بطش نظام المجازر، الذي كان آخرها مجزرة “كرم الزيتون” في حمص والتي أشعلت ارادة سعاد في التحدي السافر، على الضد مما تبتغيه الوحشية من تعميم الرعب وسحق الارادة واجتثاث أي شعور بالتضامن والتعاطف، حيث الثمن الفاحش ظاهر للعيان بدلالة المجازر المستمرة! لم تكن فكرة الكتابة على “كرتونة” من ابتكار سعاد، فقد سبقها إليها آخرون، لكنها وجدت في الكرتونة وسيلة تعبير…
-
طفلة لا زوجة
تزويج القاصرات هو أحد أنواع العنف الصامت (والعنف الصريح غالباً حيث يتم إجبار القاصر على الزواج بالقوة والتهديد) تجاه حق الحياة المصان في كل الشرائع والدساتير والأعراف، وتجاه حقوق الأطفال بالذات، حيث يتم قطع السيرورة الطبيعية والاجتماعية لنمو وتطور الطفلة/ الأم، وقسرها عبر إقحامها في سيرورة الحياة الزوجية والأمومة، المختلفة نوعياً عن طبيعة حياتها كطفلة تحتاج الرعاية والاهتمام، ومصادرة نمو سليم ومعافى للطفل والطفلة/ الأبناء، مادامت مجتمعاتنا لاتزال تعتمد على التنشئة الأسرية للأولاد، فما الذي تستطيع طفلة أن تقدمه لأبنائها من رعاية وتأهيل لم يسبق لها أن حازتهما. كما يعتبر عنفاً ما تتعرض له من حرمان من اللعب والدراسة ومحاولة فهم العالم والمحيط، وإجبارها على تلقين الأولاد ما لم تتعرف…
-
عن سميرتنا, شبيهتنا, بفارق علامتين
مضى عام يا سميرة، ولم أفلح في الكتابة عنكِ! تباً ليدي! منذ عام لم تعرفا كيف تنهيا رسالة أو بوست بدأته عشرات المرات؟!. هذه المرة أيضاً، كنت أنتظر معلّلة النفس بأمل أن تأتي وتزيحي عني عبء شرح البداهات وتبريرها، حيث بتنا نتجادل ونختصم حتى في شأن مطالبتنا بحرية أحبتنا، حلمت أن تعودي كعادتك مقبلة ضاحكة نقية بلا ضغائن ولا عتب، أن تشكري الجميع على ما فعلوه وما فكروا فيه ولم يفعلوه، وأن تعذري حتى أؤلئك الذين لا يطلبون عذراً، لأنهم لا يخطئون! في الكتابة عن سميرة رهبة لا أعرف مصدرها، لعله بسبب التحدي المفروض على أي كتابة تجاه طيبة سميرة وبساطتها وعفويتها واجتماع انحيازها الفطري الحار إلى وعيها وضميرها اليقظ،…
-
سنة أولى هروب، و وحشة فقدان اليقين
كلمة ألقيت في مدينة تولوز الفرنسية يوم 10 اكتوبر2015 بدعوة من مجموعة التضامن تولوز ــ سوريا «Le Collectif Toulouse Syrie Solidarité». «سقف الوطن»: شاعَ استخدامُ مصطلح «سقف الوطن» في سوريا بعد الثورة 2011، بفضل إعلام النظام وسياسييه ومنظّريه، حيث جرى تحديد وفرز السوريين على أساس أن كل من يقول بالاصلاحات الشكلية يمكن قبوله تحت سقف الوطن، أما المطالبون بإصلاحات جذرية والمشاركون بالثورة فهم خارج سقف الوطن، أي عملاء للخارج العدو الشرير، وبالتالي يستحقون معاملة الخونة! مطلع آب الماضي اعتُقلت الصبية لانا مرادني، ابنة أصدقاء عانوا سابقاً من الاعتقال، كتبت أمها أنها سعيدةٌ لأنها تستطيع أن تُخبر الناس عن اعتقال ابنتها، ولأن الأصدقاء لا يتنكرون لمعرفتهم بها. يُذكر أن الصبية لانا مهندسة…
-
سوريا: شباب ينشر ثقافة الحياة في مواجهة الحرب
أصبح ملتقى عناة الثقافي الأسبوعي، أحد ملامح الحياة في مدينة صحنايا، القريبة من العاصمة دمشق، والمحاصرة جزئياً. ويعتبر الملتقى، الذي يدخل أسبوعه العشرين، تجمعاً للشعر والموسيقى والغناء والقصة القصيرة والخاطرة. وأهم ما يميزه، أن منظّميه ونجومه ومعظم رواده من الشباب والشابات. ملتقى النازحين تقع صحنايا في محيط يشهد اشتباكات وحصار من مناطق متعددة حولها. وهو ما جعلها مقصداً للنازحين، الذين يسميهم أهالي المدينة بالضيوف ولا يطلقون عليهم لقب النازحين أبداً. سارعت العديد من منظمات المجتمع الأهلي في مدينة صحنايا، إلى استقبال الضيوف منذ أكثر من عامين. واجتمعت تلك المنظمات في إطار ما بات يعرف بـ”المبادرة المشتركة للفعاليات الأهلية”، التي ترعى العديد من النشاطات والفعاليات، وكان ملتقى عناة أحد تلك النشاطات.…