أتذكر الحجر الصحي الأول، لم يكن “سيئاً تماماً”. حيث كان الطقس جميلاً، كنا نأكل في الحديقة أحياناً، وكنت أتعشى في موعد ثابت، الأمر الذي ساعدني على انقاص وزني وتنظيم وقتي بطريقة مختلفة عن السابق، كنت أكتب وأشاهد المسلسلات والأهم أنني اغتنمت فرصة التواجد مع أحبائي. كل ليلة في الثامنة مساء، مثل كل الناس في فرنسا، كنا نصفق للطاقم الطبي. كنت أقول لنفسي: البلد الذي يعتني بكبار السن بدل الاهتمام باقتصاده فقط، هذا البلد مازال بخير. الحجر الصحي الثاني، لم أحبه كثيراً. بسبب الطقس أساساً، إذ كنا ذاهبين نحو الشتاء ومحبطين قليلاً، تساءلنا إلى متى سيستمر هذا، وإذا ما كان سيتم ايجاد اللقاح في وقت قريب. وفي المساءات على الساعة الثامنة،…
-
-
وداعات
مضى رجل الحزن الوسيم.. أنسي الحاج من جعلنا نؤمن بأن لا شيء يجمّلنا مثل الحب، الحزن، الرّقة يا أنسي.. يا وحشتنا ينتصر علينا سرّ التراب، مرة تلو مرة يستدرج كأس حبنا المترعة، تنسكب على جنباته ملحاً مراً يشربه حتى آخرنا، متشفياً ببلاهتنا: كم موتاً يلزمنا لنتذكر أن نحيا ؟! الليلة، سيتدارك العشاق ما فاتهم في محاكاة التراب: وجداً وهيام، حباً وكلام.. يجدر بالأحبة أن يبوحوا: بحبك قدّ الله وأمواتو.. قدّ الشعر ورفقاتو “أكثر ما يخفف القهر، ليس الصراخ والغضب بل الرقة “ ألف حياة لك أيها الرقيق كغمام يمطر ويمطر… ومن قال أن الكلمة لا تنقذنا؟! السلام لروحك “صديقي” ادوار الخراط في التحقيق معي عند اعتقالي في التسعينيات، كان…
-
في سورية
يوم 16/ 11السوري ومع أنه أعاد لنا أحبة من بطن الغول. لكني أشهد يتلّوى القلب مثل أصابع قدم محترقة نزقة.. لا راحة لها بالاجتماع ولا نجاة بالفرقة وكأن الروح ورقة خريف أخيرة على شجرة، شاخت وجفّ نسغها وجرّحها الغياب، آثرت أن تشنق نفسها على أمل تلويجة للعائدين. هكذا هي قلوب أمهات كثيرات في مثل هذا اليوم من كل عام. ينتظرن أولادهن أن يكونوا من الناجين في عبورهم المرتجى على الصراط الذي لا يستقيم. في سورية، هذا اليوم أليم.. كليم ورغم ذلك لا يريد المعذبون السوريون لهذا اليوم أن ينتهي.. وحده يحمل لهم الرجاء بالخلاص اليتيم قلبي معكم كل المعتقلين والمعتقلات، ومع أحبتكم أينما كنتم وكانوا ليس لي إلا أن أساهركم…
-
اغتراب
يوميات “غربتي” في اللاذقية ساهية متغافلة عن نفسها وعما حولها، تبدو المدينة وناسها هي لم تتذوق عذوبة مياه دمشق وخبزها اللذيذ الرخيص، هي لم تقترب من أطياف ألم شقيقاتها، هي لم تقصد البحر. فقط جاورته وحاصرته بصمتها الشجي لا غريب هنا لتروي له حكايتك ولا مجيب. غربة وحواجز أنو معقول طبيبة الأسنان وهي مستبيحة فمي ومتحكمة بوسائل الاتصال معه من معادن وأدوات وروائح مواد وعلكة عم تطقطق فيها .. وأول سؤال تسألني ياه: أنتي من وين؟ شكراً للحواجز الرحيمة يبدو صار الواحد بدو كل مرة يلاقي مكان ولادة يرضي “الذي نفسي بين يديه” تهويمات الوداع دون كيشوت يترك كل شيء مع صديقه الفلاح، ليمضي إلى الحرية!.. تلك هي الدون كيشوتية…
-
أعراض عاطفية
أن تلتقي أشباهك، سعادة طافحة لكنها سرعان ما تطير كشال حريري يأنف تدجين ذاته. فهو بعد كل شيء ليس فرواً بليداً ليمتهن المكوث مع المختلف، تستعيد نهم الطفل فيك على المشاكسة والمناكدة، تقاوم التماثل بعناد وطيش ربما.. حروب صغيرة تشيع دفء التمرد وخفقات قلب الدهشة. تغويك لعبة الاشتباك، تتواطآن على تصيّد بعضكما، بين الانجذاب والتنافر تمضي الحياة مغتبطة بإمكاناتها. السعادة هلامية شفافة كسحابة صيف تعد ولا تفي. أما الفرح فهو خبر أكيد تعلنه الروح فيجري مستعجلاً النبضات ليحتل الجسد ويومض في العيون. أشواق كلما رفعت شراعاً للشوق، تغرقه بالحنين وكلما اعتصر الفقد آخر مساماتي متشفياً: “كم أنت وحدك هرعت إليّ نملات ودودات هامسات: “أومن أن في صمت الكون المقفل من…
-
عن فيروس العنف وحروب الهوية
والقتل والتقطيع والتشويه وصولاً للإبادة… كتب (مصطفى حجازي) ” فيروس العنف موجود دائماً في بنية العصبية نفسها، يظل كامناً في حالات الصراع السلمي، وينشر وباءه في حالات حروب الهوية والتصفيات العرقية أو الطائفية أو الإثنية أو حتى السياسية… ذلك أن أوالية الانشطار الانفعالي المميزة لها… تركز كل العواطف الإيجابية (الانسانية وكل قيمها السامية) في العصبية… وفي الآن عينه توجه كل السلبيات ومظاهر السوء والانحطاط إلى العصبيات الأخرى…بحيث يصبح الآخر اللاانسان ويكتسب دلالة السوء… ومن هنا فالتضحية به باعتباره اللاانسان لا تصبح ممكنة فقط، بل هي واجبة وتتخذ دلالة العمل النبيل والرسالة المقدسة.. وهكذا تتحرر نزوة العدوان من كل الضوابط الانسانية التي تقيدها عادة، ومعها تنطلق عمليات الإبادة والتصفيات بزخم وحماس…
-
تعارف: عائلتي وأقربائي وأنسبائي
صداقات أن ترفرف الحكايات والأخبار محمومة شجية كطيور المساء، أن تترقرق الكلمات لتذوب في ابتسامات وايماءات تفضي إلى ممرات سكّر الأوقات المعتق، أن تبوح بضيقك وعجزك وخيباتك وشقاواتك وكأنك تتابع ثرثرات يومية لم تنقطع، وأن تنفلت المفردات القديمة من عتمة الغياب وتكرج برشاقة الشوق العارف طريقه إلى الإلفة والرضا. أن تتحول العشرين سنة الأخيرة الثقيلة من عمرك إلى أرجوحة أثيرة تتواطؤ مع شغف العودة إلى الزمن المفقود.. وأن تطرب روحك وأنت تسمع آخرين يمنحون هواجسك لساناً وترى أيديهم لا تضل طريقها إلى وجعك وقلوبهم تنبض بفرحك. أن تتدفق روحك مرحاً وضحكات وتختلج دمعاً وحناناً ولهاث أسئلة ويغمرك سلام الامتلاء.. و و و… هي بعض عذوبات لقاءات أصدقاء لا شيء يشي…
-
الحب في زمن الثورة
عندما تجوع الثورة تأكل أبناءها عندما تجوع الأحياء تأكل بعضها وعندما يجوع الحب يأكل نفسه الارتجال والتقشف والحرمان شغوذة.. لكل داء دواء.. اسأل مجرب واسأل حكيم وبنت الجيران اسألها ضروري وفيك تسأل روحك كمان..اسآل ضل اسآل.. انسحابات “تكتيكية”: الديدان سبقتك إلى تفاحة قلبي.. ها أنا شاحبة.. وخالية من السّكر.. أتدحرج إلى طبقك.. أليست هذه وجبتك الصحية من النساء؟! لا تخبرني أنك صائم! حسناً.. حسناً.. مازال لدينا ما نفعله معاً: دعنا نسبّح بحمد صديقنا الحرمان. شوكة الحكمة العليلة تسميه كذباً.. ذلك الصدق المفرط اللهفة! هو البوح المنفلت من سجونها، يفوح بعذوبة القلب وخصوبة الخيال.. “الكذب” أرجوحة الروح المدّلله، رياضتها المرحة، وشقاوة صبواتها.. تأسرني “الأكاذيب”: صدقنا الناجي من رقابة…