مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) رحلت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، وكسائر الكتاب تركت لنا ارثاً يجعلها حاضرة معنا، نستطيع قراءتها ومناقشتها والاهتمام بمنتجها المعرفي، بدل استسهال “كليشيهات” الرثاء التي بصورة ما تعّجل في طي سيرة حياة الراحل/ة وتدفعها إلى أدراج النسيان، عبر رفعها إلى مرتبة المقدّس أو الأيقونة. هذه العجالة، محاولة للتمسك بحياة الكاتبة، عبر استحضار أفكارها ومشاعرها، كلماتها وتناقضاتها، نجاحاتها واخفاقاتها كما عاشتها وعبّرت عنها في واحد فقط من كتبها: شهرزاد ترحل إلى الغرب (العابرة مكسورة الجناح). يصعب تصنيف الكتاب، فهو ينتمي إلى مجال علم الاجتماع، سواء في موضوعه أو بعض معطياته الاحصائية والتاريخية. لكنه يفتقر إلى منهج البحث، حيث يأخذ الظواهر كمعطى منعزل عما حولها، يعمم حالات فردية…
-
-
“ماذا وراء هذه الجدران”سجينة سورية تحكّ أوراق السجين
يبدو العنوان “البارد”، للرواية الصادرة لدى “دار الآداب”، “ماذا وراء هذه الجدران”، لراتب شعبو، أشبه بمصيدة مهملة “آمنة” تستدرج القارئ إلى الفخ، ليبدأ رحلة التورط في اشتباك متواصل مع قيود الذات والمحيط والوجود. سيرة سجين سوري شاب في بداية العشرينات تقوده خطاه إلى الجحيم. لا يشرح الكاتب كثيراً عن تنظيمه السياسي وربما يحسب ذلك للنص، حيث تتضاءل كمية الايديولوجيا والتبشير وتبرير الذات، لصالح المشترك الإنساني المتمثل في مسيرة شقاء الفرد وعذاباته وتشظيه في ظل الأنظمة الاستبدادية. عبر مسار من السرد الحكائي المتسلسل، يمضي بك في أنفاق الظلم والظلام، لتجد نفسك مجبراً على تجييش حواسك كلها، كي تستطيع عبور النفق، النص، الذي لا يضمن لك الخروج منه من دون إصابات مباشرة…
-
كلمة ألقيت في مدينة تولوز الفرنسية بدعوةمن مجموعة التضامن “Le Collectif Toulouse Syrie Solidarité”
سقف الوطن شاعَ استخدامُ مصطلح «سقف الوطن» في سوريا بعد الثورة 2011، بفضل إعلام النظام وسياسييه ومنظّريه، حيث جرى تحديد وفرز السوريين على أساس أن كل من يقول بالاصلاحات الشكلية يمكن قبوله تحت سقف الوطن، أما المطالبون بإصلاحات جذرية والمشاركون بالثورة فهم خارج سقف الوطن، أي عملاء للخارج العدو الشرير، وبالتالي يستحقون معاملة الخونة! مطلع آب الماضي اعتُقلت الصبية لانا مرادني، ابنة أصدقاء عانوا سابقاً من الاعتقال، كتبت أمها أنها سعيدةٌ لأنها تستطيع أن تُخبر الناس عن اعتقال ابنتها، ولأن الأصدقاء لا يتنكرون لمعرفتهم بها. يُذكر أن الصبية لانا مهندسة معلوماتية تعمل مع اليونسيف من أجل تعليم أطفال الغوطة المحاصرة قرب دمشق. هل لكم أن تتخيلوا هذه النعمة! نعمة أن…
-
شهادة شخصية … “ولدت لأعرفكِ، لأسميكِ … يا حرية”
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، سُحقت حركة الاخوان المسلمين التي تصدرت موجة الاحتجاجات ضد النظام السوري، وبدأت سلطة الأسد الأب تستشرس ضد كل معارضيها دون استثناء، آلاف الرجال والنساء اعتقلوا، اختفى عدد غير معروف من المتهمين بالانتماء إلى تنظيم الاخوان المسلمين. وواجهت كل الأحزاب قمع نظام الأسد الأب بعد أن خرج منتصراً على معارضيه ومناهضيه بمساندة وصمت دوليين. أنا ابنة ذاك الجيل، جيل آلاف الضحايا والمعتقلين والمفقودين في الثمانينات، الجيل الذي تجرّع صنوف الوحشية ألواناً لم تزل مطبوعة على أجساد بعض المعتقلين كأذيات جسدية واضحة، أو كتطويع للجسد والارادة (وهذه الظاهرة منتشرة أكثر بين معتقلي الاخوان المسلمين الذين تعرضوا لتعذيب عنيف طويل ومنهجي وقضى معظمهم فترات طويلة في سجن…
-
سعاد نوفل… السورية الشجاعة تخجل أن تفرح لوحدها !
“لا تعتقلوني، اقتلوني كما قتلتم أطفال حمص” هذا ما كتبته سعاد على “كرتونة” صغيرة رفعتها في شارع تل أبيض التجاري في الرقة، وسارت بها عكس اتجاه السير ليتمكن الجميع من قراءتها، ما أذهل أهل المدينة الصامتة نهاراً والتي تتقلب على جمر انتظار قدوم الليل لتخرج في مظاهرات طيّارة (سريعة) خشية بطش نظام المجازر، الذي كان آخرها مجزرة “كرم الزيتون” في حمص والتي أشعلت ارادة سعاد في التحدي السافر، على الضد مما تبتغيه الوحشية من تعميم الرعب وسحق الارادة واجتثاث أي شعور بالتضامن والتعاطف، حيث الثمن الفاحش ظاهر للعيان بدلالة المجازر المستمرة! لم تكن فكرة الكتابة على “كرتونة” من ابتكار سعاد، فقد سبقها إليها آخرون، لكنها وجدت في الكرتونة وسيلة تعبير…
-
طفلة لا زوجة
تزويج القاصرات هو أحد أنواع العنف الصامت (والعنف الصريح غالباً حيث يتم إجبار القاصر على الزواج بالقوة والتهديد) تجاه حق الحياة المصان في كل الشرائع والدساتير والأعراف، وتجاه حقوق الأطفال بالذات، حيث يتم قطع السيرورة الطبيعية والاجتماعية لنمو وتطور الطفلة/ الأم، وقسرها عبر إقحامها في سيرورة الحياة الزوجية والأمومة، المختلفة نوعياً عن طبيعة حياتها كطفلة تحتاج الرعاية والاهتمام، ومصادرة نمو سليم ومعافى للطفل والطفلة/ الأبناء، مادامت مجتمعاتنا لاتزال تعتمد على التنشئة الأسرية للأولاد، فما الذي تستطيع طفلة أن تقدمه لأبنائها من رعاية وتأهيل لم يسبق لها أن حازتهما. كما يعتبر عنفاً ما تتعرض له من حرمان من اللعب والدراسة ومحاولة فهم العالم والمحيط، وإجبارها على تلقين الأولاد ما لم تتعرف…
-
عن سميرتنا, شبيهتنا, بفارق علامتين
مضى عام يا سميرة، ولم أفلح في الكتابة عنكِ! تباً ليدي! منذ عام لم تعرفا كيف تنهيا رسالة أو بوست بدأته عشرات المرات؟!. هذه المرة أيضاً، كنت أنتظر معلّلة النفس بأمل أن تأتي وتزيحي عني عبء شرح البداهات وتبريرها، حيث بتنا نتجادل ونختصم حتى في شأن مطالبتنا بحرية أحبتنا، حلمت أن تعودي كعادتك مقبلة ضاحكة نقية بلا ضغائن ولا عتب، أن تشكري الجميع على ما فعلوه وما فكروا فيه ولم يفعلوه، وأن تعذري حتى أؤلئك الذين لا يطلبون عذراً، لأنهم لا يخطئون! في الكتابة عن سميرة رهبة لا أعرف مصدرها، لعله بسبب التحدي المفروض على أي كتابة تجاه طيبة سميرة وبساطتها وعفويتها واجتماع انحيازها الفطري الحار إلى وعيها وضميرها اليقظ،…
-
كتاب اللغز الأنثوي
قراءة سورية لكتاب “اللغز الأنثوي” في سيرة بحثية علمية نظرية وعملية مبنية على القراءات النقدية والبيانات والاستبيانات والملاحظات والإحصاءات، متداخلة مع السيرة الشخصية، تشيد فريدان بناء مكوناً من أربعة عشر فصلاً، استغرق العمل فيه خمس سنوات، لتكشف عن ماهية اللغز الأنثوي المتمثل بالصورة النمطية التي أنتجها المجتمع الأمريكي في الخمسينيات للمرأة/الأم وربة المنزل السعيدة، المرأة الجميلة بفضل تطور صناعات التجميل وذات الشباب الدائم! وأمّ الأولاد الذين تحرص على تقبيلهم والحفاظ عليهم بقربها، والزوجة دائمة الابتسام لزوجها المنهك بتأمين البيت الفسيح والسيارة والأقساط ومستلزمات بقاء الأسرة وربّتها في نعيم العطور والأناقة والبهجة. هذه الصورة/اللغز لم تكن كافية لتجلب الرضى الذاتي للمرأة ولا لزوجها أو لأطفالها، ولا للمجتمع بالطبع، إذ تجد الكاتبة…
-
المرأة “الدمية” و الرجل “الكيوت”, عصر السيليكون
هل يمكن أن ينفجر السيليكون في يدي أو داخل فمي؟ هل سأتلوّث بمفرزات قذرة؟ وهل تعتبر العلاقة مع الروبوتات الجنسية خيانة زوجية؟ ماذا لو تعرّضت الدمية إلى قرصنة أدّت إلى إيذاء المستخدم أو قتله بدلاً من خدمته وإمتاعه؟ إنها بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً عن الدمى الجنسية وشبيهاتها من الجيل الإلكتروني المطوّر الذي يَعد بإمكانات غير مسبوقة. فبعد أن كانت بحسب المروّجين ” سيّدة حقيقية، خيالية، دائماً على استعداد…” أصبح من المتوقّع أن تصبح أُمّاً وتنجب أطفالاً في السنوات القليلة القادمة. الأمر الذي يعني أن عالم السيليكون صار واقعاً ومستقبلاً (ربّما)، ما يفترض أن عمليات البحث عن مصادره وتنقيته وتحسينه ستشكّل ملامح مرحلة تذكّر بفورة اكتشاف النفط وما نتج عنها من…
-
نص فائز بجائزة بوح نسائي التي أقامتها مجلة سيدة سوريا عام 2015 “سيرة حياة لقمة المعمول”
(سجون بطيئة) “بكرا لمّا يطلعوا إخواتك بخير وسلامة، نعمل كذا..” صرلي ستة عشر سنة أسمع هذه المعزوفة، والحمدلله طلعتوا أخيراً قبل ما تطلع روحنا، لنشوف شو رح يصير! هكذا تسخر أختي الشقية ملخصة سيرة بؤس مراهقتها التي أفضت إلى زواج سريع في بداية الثامنة عشرة من عمرها. فقد بقيت وحيدة مع أمها في المنزل الذي لم يمل عناصر الأمن من اقتحامه لاعتقال إخوتي، ثم من طرق بابه للسؤال عني حين كنت مطلوبة للأمن ومتوارية عن الأنظار. على العكس، ربما جمال أختي كان يحفزهم أن يجدّوا في البحث عني ليل نهار، وهم يحومون حول منزل أهلي. بمكابرتها المعهودة ترّد أمي: نحن بألف خير ونعمة من الله وأحسن من غيرنا بكتير، الحمدلله…