تشكل القرارات السبعة التي اعتمدها مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام والأمن، والصادرة بين عامي (2000 ــ 2013)، حزمة نوعية من المفترض لمثيلاتها أن تكون على درجة عالية من الفعالية، خاصة أنها صادرة عن أعلى هيئة عالمية (مجلس الأمن)، فيما لو ترافقت مع إرادة دولية ملموسة لإعلاء شأن المرأة والسلام والأمن.
بدأت الألفية الجديدة مبشرة بتطورات إيجابية مع صدور القرار (1325)، الذي أقرّ، لأول مرة في التاريخ، بأن النزاعات المسلحة تؤثر في النساء والفتيات تأثيراً مختلفاً عنه في الرجال والأولاد، ما يستدعي تغيير النهج الدولي تجاه عمليات حلّ النزاعات ومنع نشوبها، عن طريق إشراك المرأة في كل من المنع والحل، في مختلف جوانبهما ومراحلهما. وقد استكملت القرارات اللاحقة الكثير من النواقص أو الجوانب غير الملحوظة في القرار (1325)، وكان أبرزها: اعتبار العنف الجنسي (الاغتصاب) جريمة حرب ضد الإنسانية، والتوصية بعدم السماح بالإفلات من العقاب لمرتكبي العنف الجنسي، وحرمانهم من تشميلهم في العفو الذي يصدر عادة في سياق عمليات المصالحة، وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم.
يمكن تتبع مسار تنفيذ القرارات باختصار شديد عبر دوائر ثلاثة:
الدائرة الأولى – المستوى الدولي: تخلص التقارير الدولية في سياق متابعتها لتنفيذ قراراتها إلى اكتشاف ثغرات ونواقص، ما يُحيل إلى توصيات باستكمال القرار بقرار آخر، وهذا ما أفضى إلى صدور قرارات لاحقة، هي بمجملها إعادة تأكيد على القرار الأساس (1325) مع إضافات وتأكيدات مهمة. لكن كل القرارات التي هي بطبيعتها مُلزمة لجميع الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، تفتقد إلى آليات للمساءلة والمحاسبة والعقوبة عند عدم التنفيذ، ما يؤثر سلباً على قدرة هذه القرارات على التجاوب مع الوقائع وتغييرها لصالح السلام والأمن والمرأة. وما يجعل من مجلس الأمن بحد ذاته أقرب إلى “منتدى” نقاشات وتبادل أفكار، حين يكتفي “بتشجيع” الدول على وضع استراتيجيات عام 2002 و”الترحيب” بجهود بعض الدول في 2004 و”تأكيد دعوته” لتنفيذ القرار في 2005.
ولعل هذا النقص الجوهري (المحاسبة) هو السبب الوحيد وراء عدم اكتراث الكثير من الدول بالقرار وما تلاه، فمثلاً يُلاحظ أن أياً من الدول العربية لم تبادر إلى وضع خطط وطنية لتنفيذ أي من توصيات القرار. والحقيقة أن معظم دول العالم ماتزال غير معنية فعلياً بالقرار، حيث تقول التقارير أنه حتى منتصف 2012 كان هناك فقط (37) بلداً قد وضعوا خطط عمل وطنية، معظمها بلدان أوربية وأمريكية معنية بالقرار من باب منع حدوث نزاعات، على حين تبقى معظم الدول التي تعيش نزاعات أو يُتوقع أن تتعرض لنزاعات بعيدة عن التعاطي الإيجابي مع القرار. وحتى تلك الدول التي وضعت خططاً وطنية، مازال أمامها إظهار الجدية اللازمة لتنفيذ الخطط عبر ربطها بميزانيات دقيقة وأهداف محددة زمنياً، حيث تقول تقارير المتابعة أن (سيراليون) هي البلد الوحيد الذي وضع أهدافاً مرتبطة بالزمن اللازم لإحرازها. وتعترف التقارير أن البند المتعلق بتعويضات الضحايا بما يتيح لهن الاستمرار بالحياة هو أقل البنود التي جرى الاهتمام بها من قبل دول العالم كلها، الأمر الذي يقودنا إلى إلقاء نظرة على الدائرة الثانية لتنفيذ القرار، أي المجتمع المدني.
إذا كانت الدول تحاول التملّص من الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية بطرق عديدة، فلن يكون مستغرباً من الكتائب المسلحة والعصابات المقاتلة أن تعتبر نفسها خارج كل التزام (خاصة إذا كانت غريبة عن بلد النزاع)، ما يعني تعقّد إمكانيات الوصول إلى أي اتفاق يحيّد المدنيين ويحمي النساء من العنف الجنسي والتهجير والتشريد وسائر الويلات المرافقة للنزاعات، وخاصة تلك الطويلة والمتعددة الأطراف. لكن رغم ذلك يستطيع المجتمع المدني أن يمارس ضغوطاً باتجاهات عديدة حسب ما تكشفه التجربة، حيث نجح (بتضافر جهود ومعطيات أخرى) في إشراك (22) فصيلاً مسلحاً في توقيع اتفاق في الكونغو الديمقراطية على تجريم العنف الجنسي وملاحقة مرتكبيه. كما تؤكد كثير من التقارير على أن المنظمات النسائية في (ليبيريا) كان لها دور مؤثر ودافع لتوقيع اتفاقية السلام. على حين استطاعت منظمات المجتمع المدني العريقة والفاعلة في دول مثل بلجيكا وهولندا أن تحصل على حق إعداد “تقارير ظل” لمراقبة تنفيذ الخطط الحكومية. وفي النمسا حظيت الجهات المدنية بفرصة التعليق على التقرير السنوي لتطبيق القرار. وفي هذا السياق تلعب بعض المنظمات والهيئات المدنية دوراً كبيراً في أكثر من مكان مثل منظمة “كفينا تل كفينا” (المرأة للمرأة) السويدية، التي تشترك وتساهم مع الكثير من منظمات المجتمع المدني في نشاطات وتدريب وتوعية. ولقد لاحظت الدراسات والأبحاث أن المجتمعات الأهلية لها الدور الأكبر في كشف ثغرات ومعوقات التقدم في تطبيق القرارات، سواء ما يتصل منها بتقاليد وعادات المجتمعات المحلية، أو بعضها المتصل بضعف الإمكانيات المادية للمجتمع المحلي أو الأفراد. وبالتالي فمنظمات المجتمع المدني المحلية هي الأقدر على معالجة قضاياها وتقديم حلول واقعية ملموسة وفعالة وسريعة. (في هذا السياق، لا يستطيع المرء أن يصدق النقاشات التي تجري بين بعثات حفظ السلام والاجتماعات الطويلة التي تتمخض عنها قرارات من قبيل: تركيب مصابيح في المناطق الخطرة داخل مخيمات اللاجئين، تأمين مرافق صحية منفصلة للنساء والرجال، دوريات جمع الحطب في دارفور لوحدها حكاية طويلة جرى تعديل مجرياتها مرات عديدة!)، في هذه التفاصيل وغيرها الكثير من مثل اشتراط التمكن من قيادة سيارة دفع رباعي على المرأة الراغبة بالعمل ضمن قوات حفظ السلام المحلية، كل هذه الأمور تحتاج إلى خبرات المجتمع المحلي لتأمين مستلزماتها مسبقاً أو لإيجاد حلول عملية تتواءم مع الاحتياجات الفعلية والإمكانيات والموارد المتوفرة. ولكن ما هي الموارد المتوافرة في بلاد النزاعات المسلحة والبلاد منزوعة الحق بالسلام والأمن وإنصاف المرأة؟
الدائرة الثالثة – النساء والفتيات:
تنظر النساء (إن قُدّر لهن) إلى مثيلاتهن في ليبيريا، اللواتي ناضلن وسعين بشتى الطرق لأجل محاكمة مرتكبي العنف الجنسي، فيجدن أن حجم الملفات المتراكم أمام المحاكم قليلة العدد والعدّة سيحتاج إلى عشر سنوات أخرى للنظر فيها. هذا واقع قاسٍ وظالم، لكنه بكل الأحوال يفتح نافذة أمل: أن المحاكمة قادمة، وأن المجرم لن يفلت من العقاب، وأن ثمة جرائم لن تحصل للآخرين بفعل العقوبة الرادعة.
نساء أخريات في مناطق جرت فيها نزاعات ربما لم يسمعن بالقرار (1325)، ومازلن على عاداتهن وحاجاتهن، يزرعن المواسم ويعملن للقيام بشؤون أسرهن، ليجدن أنهن مُلهمات ومُنتجات القرار وما تلاه. فقد كشفت الإحصاءات أن المرأة تميل إلى الصرف من عائدات عملها على أسرتها وبيتها أكثر من الرجل، ما يساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي والاستقرار والرغبة بالسلام و”الرفاه”. كما لوحظ أنه بالموارد نفسها في مجال الزراعة مثلاً، تستطيع المرأة رفع الإنتاجية بزيادة تصل إلى 30% أحياناً عن المستوى المتوسط الذي يستطيعه الرجل. فمن يدري ما الذي تقدر على فعله النساء في مجالي الأمن والسلام؟ هذا دون أن نتجاهل حقيقة وجود نساء مقاتلات ومنخرطات في النزاعات بالقتل والسبي والتعذيب ونشر التطرف والأحقاد، ما يستدعي معالجات خاصة.
رغم كل ما سبق قوله عن القرار (1325) وتوابعه، إلا أن حزمة القرارات هذه أضحت ثروة في رصيد البشرية، على النساء والرجال معاً أن يُحسنوا استثمارها لصالح أمن وسلام لا غنى عنهما.
سيدة سوريا
لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا