مقالات نسوية

السوريات والحاجة إلى مزيد من التعبير والتنظيم

لم تزل النساء (مع الأطفال وكبار السن) هن الضحية الأولى لكل أنواع الحروب والأزمات. هذه البديهية لم تتغير، الذي تغير هو الاعتراف بها عالمياً، حتى أنه مؤخراً قامت احدى الحكومات المحلية غرب اسبانيا بسّن قانون يقضي بصرف (300) يورو شهرياً لكل امرأة شهدت الحرب الاسبانية أو ولدت خلالها (1936 ــ 1939) والذي ستستفيد بموجبه (35) ألف امرأة، تقديراً من الحكومة المحلية لما عانته وواجهته أؤلئك النساء من مصاعب ومشاق وهضم للحقوق طيلة أعمارهن. فالثابت أن الضحايا الأحياء يعانون ويتعذبون أكثر بمرات ممَن قضوا.

لعل الجزء المظلم من الخبر السابق هو الجدير بالاهتمام: أي مدى تعقد مسارات معالجة تبعات الحروب، وبطئها وترددها ومحدوديتها ووطأة العمل المترتب على الضحايا وذويهم وأنصارهم لإنصافهم بطريقة ما. حيث أتى القانون بعد أن قضى معظم من شهدوا الحرب التي مرّ عليها قرناً إلا ربع، وهو ساري المفعول على أراضي الاقليم فقط.

ورغم تراكم تجارب وفيرة نظراً لغزارة الحروب والصراعات، إلا أن دروسها وعبرها ماتزال بعيدة عن متناول غالبية البشر الذين يقفون ذاهلين مما يحدث في البداية وبالتدريج يتحولون إلى مُحبطين من امكانيات الفعل والتأثير جراء ضيق الامكانات والموارد وتقطّع سبل الحياة عموماً في مقابل جبروت القوة السافرة المدمرة للفرقاء المتحاربين. وهكذا يتزايد عدد الناس المستسلمين لأقدارهم أو الهاربين منها عشوائياً ما يعقد حياة ومصائر ملايين البشر كل حرب!

دائماً هناك عمل

أصبحت الحاجة ملّحة لرفع صوت الإنسانية المعذبة، صوت الضمير والعاطفة للأم والزوجة والحبيبة التي تثني الشباب عن خدمة المتحاربين والتطوع بين صفوفهم، وقد بدأت تنتشر وتتوسع في سوريا ظاهرة رفض الانخراط في القتال سواء مع النظام أو ضده.

وتكتسب صفة الكفاح البطولي اليومي، ما تحرص عليه الأخت والمعلمة والقريبات اللواتي يبذلن ما وسعهن لتعليم الأطفال ودعمهم نفسياً وتأمين غذائهم المادي والمعنوي بما يضمن عدم انجرارهم إلى العنف والجريمة والسلاح.

كما لا غنى عن الصديقة النصوح التي تترفع عن المهاترات الطائفية واهانة الآخر الذي ربما كان صديق الدراسة أو جار الطفولة أو زميل العمل وسيعود ليكون شريكاً في بلد يتقاسمان خرابه كما مصيره. فليس بعيداً اليوم الذي سيترتب على الجميع أن يدفع ضرائب ستذهب إلى أسر وذوي من كانوا “أعداء” اليوم، تداوي جرحاهم ومخلفات الحرب على أجسادهم، وتعوض عليهم ما فاتهم من التعليم والمأوى والصحة والعلاج النفسي…الخ

وكلما طال أمد الحرب وازاددت وحشيتها، تزداد الحاجة والرغبة بمن يعلّل النفس بالآمال ويمنّي الروح بالتصبر والاحتمال، فلا بديل عن لمسة دافئة ولا كلمة مواسية ولا حَجرة ربما تسند جرّة… وليكن كثيراً من الحب والموسيقى والشعر وسائر الفنون، “فليس بالمساعدات الإغاثية وحدها يحيا الانسان”. تستطيع النساء (والرجال طبعاً) نشر وتعميم ثقافة حب الحياة والدفاع عنها وتطويع عقباتها والمساهمة في ايجاد الحلول الكفيلة بتخفيف وطأة المعاناة إن لم يكن انهائها.

كما يمكن لكل امرأة أن تلفت النظر إلى معاناة بلدها وحاجته إلى الاهتمام والتضامن والعمل على وقف الحرب فيه وعليه، بعيداً عن البكائيات والتهويل، عبر الحرص على دخول كل المجتمعات والمشاركة بالنشاطات والفعاليات وتنظيم الكثير من المناسبات لتعريف أوسع جمهور على قدرات نسائنا وحضارة بلدنا ومعاناة شعبنا وتضحياته لأجل حقه في الحرية والكرامة.

ويحمل بعداً تأسيسياً وبعيد النظر عمل المرأة التي تواظب على تعليم أولادها وجيرانها لغتهم العربية أو الكردية أو الآشورية أو السريانية.. إلى جانب لغة بلد المنفى، بحيث يمكن أن تتحول دروسها إلى نواة مدرسة تحفظ اللغة والأمل بالتواصل والتفاهم والعودة إلى البلد أو المساهمة بنهضته لاحقاً. كما يمكن لهذه النواة أن تكون بداية عمل جدّي لمواجهة نفوذ المتشددين الإسلاميين وغير الإسلاميين الذين يحتكرون تقديم الخدمات وخاصة التعليم “القومي” في المنافي.

من العمل العفوي إلى العمل المنظم

تبرز أهمية الأعمال والمبادرات الفردية والجماعية المحدودة نظراً لتعددها وتنوعها ومرونتها بما يتماشى مع حالة تشظي المجتمع السوري وتبعثره وارتهانه لشروط متفاوتة ومتناقضة أحياناً بين محافظات وبلدات الداخل السوري وبين المخيمات في دول الجوار وبينهم وبين الجاليات المبعثرة في معظم بقاع الأرض، ما يضيف تعقيدات جديدة على امكانية العمل الموحد لجهة تفاوت الحاجات والامكانات والاهتمامات والقوانين المطبقة على كل جماعة سورية.

 لقد شهدت تجربة السنوات الماضية ولادة الكثير من المبادرات المحلية التي دعمت وساندت وصنعت فرقاً مهماً لجهة تأمين موارد وخدمات لآلاف الأسر في الداخل خاصة. لكن بات من الضروري الانتقال إلى أطر تنظيمية مؤسساتية قادرة على توحيد وتنظيم مختلف الجهود وتوجيهها إلى عمل يبرز ارادة النساء وعزمهن على وقف الحرب ومحاصرة انتشار الكراهية وكافة أشكال التمييز المغذية للحروب والعنف، كما يستطيع أن يلبي الاحتياجات المتنوعة للسوريات في كل مكان.

ستنتهي الحرب (كل حرب) يوماً، لكن تبعاتها ستظل تثقل كاهل البلاد وأهلها في مختلف المجالات وخاصة في مجال معالجة آثارها النفسية و”الوجودية” المتمثلة بإعادة بناء السلام والأمل بالحياة المستقرة وجدوى العمل والانتاج والمضي قدماً فردياً ومجتمعياً. وفي كل هذه الأوقات تقع على عاتق المرأة مسؤوليات وأعباء كثيرة، ما يبرر دعوة المجتمع للإصغاء إلى صوت نسائه وانصافهن كشريكات في الحل، وما يدعو بداية إلى أن يكون للنساء صوتهن الواضح المتمايز المطالب بالعدالة والسلام وبالحرية والكرامة للجميع دون استثناء ولا تمييز.

07/2015

شبكة المرأة السورية

لقراءة المقال الأصل اضغط/ي هنا 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *