“ما في للأبد، ما في للأبد.. سوريا لنا وما هيّ لبيت الأسد..”
يعرف السوريّون كلّهم ماذا يعني هذا الشعار الذي يبدو غريباً ببداهته الساذجة بالنسبة لمراقب خارجيّ أو لمن كان من ثقافة أخرى. لكنّه بالنسبة للسوريّين ولجيرانهم على الأقلّ، بدا وكأنّه تجّلٍ لحَمل عزيز لا يحدث أكثر من مرّة في العمر.
وبصرف النظر عمّا ستؤول إليه الأوضاع في سورية بعد زمن قريب أو بعيد، ورغم استمرار بشّار الأسد في الرئاسة، إلّا أنّ سقوط فكرة الأبد “السوريّة”، دين العهد الأسديّ، تعتبر من أهمّ محرّكات ودوافع الثورة، وبالتالي من أهمّ انجازاتها التي تحصّلت بالغالي من الدم والمرير من الوقت والخسائر.
رغم انقضاء سنوات أربع على بداية الثورة، ورغم كلّ ما قيل وفُعل من أطراف عديدة لأجل إثارة حرب أهليّة طائفيّة، إلّا أّن الاخفاق عموماً (هناك استثناءات مهمّة ينبغي رؤيتها والتعامل معها) في تحويل الثورة إلى قتال طائفيّ صرف، يعّد واحداً آخر من أهمّ إنجازات الثورة.
إنّ عودة السوريّين إلى الوجود والفعل والعمل على انتزاع مكان ومكانة، وفتح إمكانيّة لصيرورة مختلفة ومخالفة لسيرة الاستبداد عبر التدّرب على ممارسة الحياة السياسيّة بكلّ مجالاتها، رغم كلّ الاخفاقات والعثرات والأمراض، هو بحدّ ذاته أيضاً من ثمار الثورة التي أعادت السوريّين إلى الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ منه بشكل خاصّ.
وكجزء من عودة السوريّين إلى الواقع، يتقبّل السوريّون اليوم – ولو على مضض – حقيقة أنّ التغيّرات الكبرى في حياة الشعوب والثورات، لا تنتصر بالرغبات والوعود والنوايا، ولا بضربة قاضية؛ إنّها صيرورة معقّدة تتطلّب إنتاج ثقافة ثوريّة جذريّة شجاعة ومكافحة وطويلة النفس، تصحّح نفسها باستمرار، وتستدرك ما فاتها من عثرات وارتجال ومساومة في شتّى صنوف الإنتاج الثوريّ فكريّاً ونضاليّاً. كما تطوّر إمكانات استنباط أشكال تحالف ونضالات متعدّدة المستويات في الداخل والخارج.
باختصار، وعلى ضوء تجربة السنوات الأربع المنصرمة ينبغي حسم معركة تمثيل الثورة، لصالح قواها الحقيقيّة الشعبيّة السوريّة حصراً. الأمر الذي يرتّب مواجهات حقيقيّة مع المعارضة الرسميّة، ومع قوى الأمر الواقع الموجودة على الأرض بدواعي وأهداف لا علاقة لها بالثورة السوريّة، بل تعمل بالضدّ منها.
وقد كشفت الثورة السوريّة زيف ادعاءات المؤسّسات العالميّة وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها الإنسانيّة، ناهيك عن القانونيّة والسياسيّة حيال إعلاء شأن حقوق الإنسان والديمقراطيّة في العالم، ما يؤشّر إلى المزيد من العقبات والصعوبات في وجه السوريّين، ومزيد من الاستفراد بهم من قبل النظام والقوى المتطرّفة التي تخوض حروبها “العالميّة” على الأرض السوريّة، ما يجعل الصراع متعدّد المستويات والأقطاب والأهداف، وما يعني أنّ تاريخاً وجغرافيا جديدين يتمّ ارتسامهما في المنطقة (واستطراداً في العالم)، وما يترتّب على ذلك من مسؤوليّات تقع على عاتق شعوب المنطقة والعالم كافّة.
كُثر ينعون الثورة السوريّة، ويبشّرون بالصوملة والأفغنة وغيرهما.. وعلى المقلب الآخر، يستبشر آخرون بالنصر عبر “تحرير” هنا وتصريح هناك؛ التفاؤل والتشاؤم وجهان لعملة واحدة، هي القفز فوق الواقع والهروب من تعقيداته. الواقع الدامي الذي يتطلّب فهماً وحلّاً سواء أكان صومالاً أم سورية جديدة تولد من رحم الدماء والآلام فالصراع مستمرّ، ولعلّ مرارته تأتي من الاستقرار النسبيّ لتوازن القوى وعدم قدرة أحد الطرفين (وحلفائهما) على إنهاء الآخر، ما يحيل إلى ضرورة وعي دور الذات الثوريّة في التأثير على مجريات الصراع رغم تداخله وتشعّبه.
27/04/2015
موقع كلنا سوريون
مقال ذو صلة (أنا إنسان, درة شعارات الثورة السورية وجوهرها)