لمحة من أمي الكثيرة لكن لن أصدّق أن أحداً بالحنين إلى يوم الخميس في سبعينيات القرن الماضي. حيث تقوم قيامة البيت قبل يوم العطلة الوحيد (الجمعة). صرير الغسالات اليدوية وبخار الماء المفعم بروائح “أدوية” الغسيل التي تتصاعد من برميل غلي الثياب البيضاء والطشوت المتعددة للتبريد والشطف والنقع بالنيلة. استنفار شامل، تُنزع الملاحف والأغطية والشراشف لتكشف عرّي المفروشات وألوان دواخلها وطراز تصاميمها، تتكوّم تلال من الألبسة بانتظار دورها الذي سيستهلك يوماً بطوله مع أعصاب الأولاد وتذمرهم من الطعام المتقشف كل خميس وضيقهم من رؤية ثيابهم العزيزة وقد رُميت أرضاً مع ثياب بقية الأخوة بحسب تسلسل الألوان دون اعتبار للخلافات البينية التي ستكسر خاطر تنورة الأخت وقد اعتلتها بيجاما الأخ الرياضية وجاورتها…
-
-
الخالة فطينة
“روب دي شامبر”: هي من جيل سعى إلى موت هادئ في الستين من العمر، بعد أن يتزوج الأولاد ويمتلئ صحن الدار بالأحفاد، وبعد أن تكون هي و “الحجي” زوجها جالسين على شرفة مربع “العلّية” (غرفة النوم)، يشربان قهوة العصر، وهي في ثوب نومها الفيروزي المستتر تحت “روب دي شامبر”. لا تحب الخالة فطينة أن تتخلى عن هذه التسمية الفرنسية. تشعر أن فيها نوعاً من الرفاه والإيحاء، حيث تعتقد أن مصدرها عثماني من أيام “الحرملك”! بيضاء وشقراء: نشأت فطينة في عائلة حلبية فقيرة. لم تكن جميلة، لكنها كانت بيضاء وشقراء، ما يعني امتلاكها جواز مرور ربانيا باتجاه الترقي على درجات السلم الاجتماعي. فالخاطبات يعرفن ما الذي ينفع الذكور: وجه حلو ومؤخرة…