“كل شيء عندهم بالعكس” ! بسخط ونفاد صبر، قالها الشاب السوري في مجمع اللاجئين في فرنسا، وهو يفرغ غضبه على أزرار الكهرباء، التي تعمل بضغطها إلى الأعلى (على عكس ما هو معتاد في سوريا). موجات من التعليقات والتعنيفات انهالت على الشاب بسبب ملاحظته. لم يكن أقلها إثارة للاهتمام تلك المتصلة باحتمال مراقبة الحكومة الفرنسية لأحاديث اللاجئين وسلوكهم، ومعرفة رأيهم بفرنسا «الدولة»، وما يترتب على ذلك من احتمال الغضب الحكومي على طالب اللجوء وأسرته، وطردهم خارج رحمة الدولة. كدر ثقيل خيم على طالبي اللجوء السياسي (المعارضين) شيباً وشباناً. لم يقوَ المرح ولا الشرح على تبديد الشعور الناجم عن ارتكاب الإثم: إثم النيل من هيبة الدولة عبر إهانة «أزرار كهربائـ»ها. داخل سوريا،…
-
-
الحرب في سورية هل هي حرب طائفية؟
ضرورة تحليل وتوصيف الحرب المشتعلة في سوريا، لا تمليها مقتضيات المعرفة والبحث، بقدر ما تفرضها راهنية واقعية همّها فهم تعقيدات الصراع الدامي وصولاً للتأثير فيه وانهائه ما أمكن. معظم التحليلات والتقارير اليومية عما بات يعرف بالمسألة السورية، يشوبها الكثير من التشوش مرده الخلط بين مستويات ثلاثة في التعاطي: أولاً : هناك التصورات والافتراضات الذهنية المثالية عن مفهوم الثورة وأهدافها، وعن الثوار والسوريين خاصة، حيث تتجلى “العنصرية” في تنزيه الشعب السوري وثواره عن كل ما هو بشري وواقعي. ثانياً: يحضر عامل اسقاط الرغبات والتمنيات على الواقع، في محاولة لقسره على التكيف مع التصورات السياسية لجهات تبحث عن موقع لها في الصراع. حيث يتم تصوير الحرب على أنها طائفية، أهلية، ثورة سياسية…
-
صباح دمشقي: إقبال على الحياة في زحام الموت
ينبغي أن تغيب عن قلب مدينة دمشق قليلاً لتراه، فتراقب حركة الدوامة، عمقها واتساعها وسرعتها، تتوغل بين المارة – الشعب-. وجوه بين الشرود والذهول، أخرى تلوك لقيمات سندويشة تصغر وسعرها يكبر، صبايا وشبان يصرخون ويتضاحكون بتحدٍ مستفز، أناقة مبالغة ورثاثة لا مثيل لها يتجاوران للحظات وسط المدينة، متسولون ومتسولات من كل الأعمار، بسطات تبيع فراشي الأسنان المستعملة مع الدبدوب المتّسخ وطناجر الطبخ القديمة وكتب مغبرّة. حواجز جديدة تنبت كالفطر: لا جدوى من حفظ جغرافيا السير في دمشق، بين ليلة وضحاها تتغير الطرقات، بضعة أكياس إسمنت وعسكر يقطعون خط السير بإشارة من روسياتهم. أصوات قذائف بعيدة تأتي من قاسيون. على الإشارة المرورية تقف شاحنة لنقل الجنود بأسلحتهم، أعابث جندياً يبتسم بلطف:…
-
تأملات في إسلام أردوغان (دراسة) 2010
اكتشاف تركيا للعرب حديث، جغرافيا وتاريخا وديناً، بل صار العرب يكشفون أنفسهم أمامها، مستدعين ذاكرتهم الرّاغبة في العودة إلى أحضان “الإمبراطورية”. (إذا استثنينا الجهد الجادّ للمثّقفين، وبعض التوجّس لدى القوميين العرب). وإذا كان العرب ينظرون إلى تركيا/أردوغان بعيون إسلامية يستخفّها الطرب بمواقفه البطولية، فتحسبها تقرّباً وانحيازاً وطلباً للودّ بعد طول انقطاع، فإنّ تركيا/أردوغان المأخوذة بسطوة حضورها العربيّ مادياً ومعنوياً، لا تنفكّ تلهب مشاعر العرب وربما دهشتهم، في أداء واجبها بالعمل على تنفيذ برنامج حزب “التنمية والعدالة” الذي أوصله إلى السلطة مرّتين دون إعراب عن أيّة أهداف أو نوايا بإقامة دولة إسلامية داخل تركيا، ناهيك عن خارجها. ولئن كان الإسلام هكذا على إطلاقه هو الذي يلمّ شمل العرب وتركيا، فهو يجمع…
-
المرأة والأمثال الشعبية، التصالح مع الذاكرة
المرأة والأمثال الشعبية: “اللي عنده معزة يربطها” والمقصود هنا المرأة، بل الطفلة ذات السنوات السبع. وفي التفاصيل، أن شجاراً وقع بين والدة الطفلة ووالد زميلها الذي “قبلّها” في المدرسة. ما أسفر عن تهديد والدتها بإرسال ابنها الأكبر ليضرب زميل ابنتها وذلك على مجموعة “واتس أب” خاصة بأولياء الأمور، ليرّد والد التلميذ “ابني ولد يبوس زي ما هو عايز، واللي عنده معزة يربطها”. هذه احدى القصص التي تناولتها الصحافة في مصر في آذار الفائت. الواقعة عصرية جداً، وسلوك التلميذين كذلك، رغم أنه أقرب للسلوك الفطري، فقط حوار “أولياء الأمور” وطريقتهما في التعاطي مع بعضهما ومع تصرف الأولاد يعيدنا إلى العصر الحجري. الأنثى تشتكي وتهدد وتتوعد ملوحة بعضلات ابنها الذكر، والذكر أبو الصبي…
-
هل “المرأة عدو المرأة”؟
هل “المرأة عدو المرأة” ؟ مزامنة مع توجهات عالمية نحو تمكين المرأة على كل المستويات بما فيها السياسية، تعود عبارة “المرأة عدو المرأة” إلى واجهة الاستهلاك اللافت عند الجنسين معاً. بداية، في معظم مجتمعات (ما قبل الدولة المدنية) توكل السلطات مهمة تربية الجيل إلى المرأة الأم مع الجدة ونساء الأسرة القريبات كالخالات والعمات والجارات وصولاً إلى المعلمات. وعلى الرغم مما تتركه كل امرأة من بصمات خاصة بها على محيطها إلا أنها محكومة بمنهج تربية عام يتضمن خليطاً من عادات وتقاليد و”عيب وحرام” ينبغي عليها أن تنقله للأبناء لتنال الرضا الاجتماعي عنها بوصفها زوجة صالحة وأماً فاضلة. وعلى ذلك فالمرأة هنا هي ناقل ووسيط، حارس وشرطي مفوض اجتماعياً ودينياً، عبر الحث…
-
الذكرى الثانية لإعدام الإيرانية “ريحانة جباري”
عن الاغتصاب : ريحانة” كانت ابنة 19 عاماً عندما استدرجها ضابط المخابرات إلى منزله لأجل العمل في الديكور (مجال تخصّصها)، وهناك حاول اغتصابها، وكان مُتعمّداً؛ حيث تقول التحقيقات إنها وجدت شراباً مُسكراً، وحسب اعترافات “ريحانة” فإنّها طعنته في ظهره وليست مسؤولة عن موته! لسنا قضاة ولن ندخل في التفاصيل الجنائية للقضية التي أثير حولها الكثير عبر ما يزيد عن خمس سنوات تلت الحادثة. أصرّ النظام الإيراني على إعدام “ريحانة” شنقاً، رغم تدخّل منظمات حقوق الإنسان والحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى ما يفوق مئتي ألف توقيع من مختلف الجنسيات ناشدت السلطات الإيرانية التراجع عن الحكم، ولم تفعل. “هذا البلد الذي زرعتِ حبّه في داخلي لم يكن يريدني أبداً” هذا ما قالته ريحانة…
-
هي أم هو .. مثال آخر عن اختزال قضايا المرأة في هيئة الأمم المتحدة
يتابع ملف “سيدة سوريا” عن نساء يقدن العالم طرح سؤال: هل ستناصر المرأة في منصب الأمين العام قضايا المرأة؟ يشير السؤال إلى جوهر القضية بوضوح، أي أن المهم في أمر وصول امرأة إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، هو مدى مناصرتها لقضايا المرأة واستعدادها لطرحها والدفاع عنها كقضية تخص الأمم جميعاً إلى جانب القضايا الأخرى. رغم كل الضجيج الإعلامي الذي أثير بدافع الإثارة والتسلية في معظمه حول احتمال تولي امرأة منصب الأمين العام، إلا أن قضايا المرأة لم تحظَ بالاهتمام المأمول لها، والأغرب أنها لم تنل اهتماماً خاصاً من قبل المرشحات للمنصب! مفارقات في المناظرة بين المرشحين للمنصب: في تغطية شبكة الجزيرة التي اختارتها الأمم المتحدة لتكون منبراً ينقل المناظرة…
-
هل يحق لامرأة تولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة؟
يبدو السؤال في عنوان المقالة وكأنه ينتمي إلى سالف العصر والأوان. لكنه، وعلى العكس من التوقعات وبالضد من كثير من القرارات الأممية، كان سؤالاً مثيراً لجدالات والتباسات جرى حسمها مؤخراً (في 11 أيلول/ سبتمبر 2015) لصالح الاعتراف بحق بدهيّ من حقوق المرأة. حيث اعتمدت منظمة الأمم المتحدة قراراً ينص على أن “الجعمية العامة تدعو الدول الأعضاء إلى التفكير في تقديم مرشحات لهذا المنصب…” قصة “الرجل رفيع القيمة” منذ نشوء هيئة الأمم المتحدة وحتى اليوم، تناوب ثمانية رجال على شغل منصب الأمين العام فيها، الأمر الذي لم يجرِ بفعل العادات والأعراف التي كانت سائدة وقتذاك وحسب، بل بالاستناد إلى نص صريح يطالب بأن يكون الأمين العام “رجلاً رفيع القيمة..”، الأمر الذي…
-
دفاعاً عن الانسان السوري
لا لتعدد الزوجات انتشرت في الفترة الأخيرة نكات وتعليقات تتناول قرار سحب الشباب لخدمة الاحتياط في الجيش “النظامي” من قبيل: “جنة الشباب منازلهم”، و”انضب يا رجال بالبيت”، و”ما عنا رجال تكشف وجهها”.. في إشارة إلى اختفاء الشباب المفاجئ وتحاشيهم الظهور أو العبور أمام الحواجز، خشية أن يتم سحبهم إلى الموت قاتلين أو مقتولين! هذه الطرافة المحببة الجديدة تفصح عن تغييرات عميقة قيمية وأخلاقية جرت وتجري في سوريا منذ بداية الثورة 2011 وإن تكن شديدة البطء، والمقصود مبادرة الشابات بملاطفة الشباب، وإعلان مظاهر الحرص عليهم بالكلام والموقف. يقول الرجل: لا تقصفوا، هناك نساء وشيوخ وأطفال، وتقول المرأة: لا تخرج من البيت فأنا أخشى أن أفقدك. في الحالتين، هناك حرص على الآخر،…