اكتشاف تركيا للعرب حديث، جغرافيا وتاريخا وديناً، بل صار العرب يكشفون أنفسهم أمامها، مستدعين ذاكرتهم الرّاغبة في العودة إلى أحضان “الإمبراطورية”. (إذا استثنينا الجهد الجادّ للمثّقفين، وبعض التوجّس لدى القوميين العرب). وإذا كان العرب ينظرون إلى تركيا/أردوغان بعيون إسلامية يستخفّها الطرب بمواقفه البطولية، فتحسبها تقرّباً وانحيازاً وطلباً للودّ بعد طول انقطاع، فإنّ تركيا/أردوغان المأخوذة بسطوة حضورها العربيّ مادياً ومعنوياً، لا تنفكّ تلهب مشاعر العرب وربما دهشتهم، في أداء واجبها بالعمل على تنفيذ برنامج حزب “التنمية والعدالة” الذي أوصله إلى السلطة مرّتين دون إعراب عن أيّة أهداف أو نوايا بإقامة دولة إسلامية داخل تركيا، ناهيك عن خارجها. ولئن كان الإسلام هكذا على إطلاقه هو الذي يلمّ شمل العرب وتركيا، فهو يجمع بين الشيخ العبيكان مثلاً ورئيس أركان الجيش العلمانيّ التركيّ (إذ أنّه محسوب عدديًاً على المسلمين)، الأمر الذي بقدر ما يثيره من سخرية وخداع، يثير التساؤل عن مدى الجهل والتجاهل بأنّ الإسلام ليس واحداً وثمّة “إسلامات” مختلفة حدّ التناقض أحياناً.
إسلام حزب العدالة والتنمية/ رجب طيب أردوغان في عيون الشارع العربي :
لأنّ العروبة والإسلام صنوان (فكلّ مسلم معنا) ولأنّها العلمانية الأتاتوركية هي التي ألغت الخلافة العثمانية، واستبدلت الحروف العربية باللاتينية، وأقصت الرموز الدينية، فقد استحقّت عداءنا. وما إن عادت مظاهر الإسلام إلى تركيا، حتى انتعشت الآمال الإسلامية وتبلسمت الجراح القومية، وضربت صفحاً عن اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع”إسرائيل” التي وقّعها شيخ الإسلام السياسي /أربكان، وعن وجود تركيا في حلف الناتو، وسعيها للانضمام للاتحاد الأوربي”المسيحي”ـ ما
دام العرب عَرَبين أو أعراباً، والكثير منهم مضوا أو يتمنّون أن يمضوا أبعد من ذلك ـ وإذا ما أضفنا خطورة تفاقم النفوذ الإقليمي الإيراني (الشيعي)، وانشغال القوى الكبرى والقوّة العظمى بأزماتها الاقتصادية وتداعياتها، وتعقّد عملية السلام في المنطقة، وفوق كلّ ذلك أزمات المنطقة العربية من البطالة إلى الحريات مروراً بالثقافة والتعليم..كلّ ذلك بدا وكأنّه مرصود لبزوغ النجم التركي في سماء العرب
.
ورغم اختلاف الإسلام التركي عن صيغه العربية، إلا أنّه يبقى إسلاما يؤمل بتأويله وتشذيبه من لوثة العلمانية (شطط المخيلة العربية لا حدود له، كذلك أموال البترول الإسلامي وخيراته)، واللافت هنا مدى التسامح العربي الرسمي والشعبي في تقبّل الصيغة التركية للإسلام الممثّل برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء(أردوغان) : إسلام أنيق، شجاع، مثابر، وطموح. مغلّف بالمحبّة “نحن منفتحون على العالم كلّه”، والسلام “صفر مشاكل” ومتناغم مع الغرور العربي “من دون العرب، العالم ليس له معنى”، وقبل كلّ ذلك هو إسلام النزاهة ومحاربة الفساد. عندما سئل أردوغان عن سرّ نجاحه في تخليص بلدية اسطنبول من ملياري دولار من الديون، بل وتحقيق معدّل نموّ وصل إلى 7% أجاب : “سلاحي الإيمان” (1) ـ علماً أنه في بلاد العرب لا شيء يضاهي وفرة الإيمان إلا الفسادـ.
كاريزما أردوغان:
تفاعلت مع الشوق العربي اليائس والكسول، المنتظر للمخلّص، فأنتجت فائضاً في الطلب على سيرة حياة الزعيم التركي. وكما يحصل مع كلّ المشاهير والزعماء والصالحين، بالعودة إلى طفولتهم لالتقاط كلّ كلمة وكلّ نأمة تفيد في تأصيل ما تشتهي المخيّلة البشرية أن تضفيه عليهم من صور وتهيّؤات، يحدث الآن مع أردوغان. تركّز قصص “الإسلام الشعبيّ” على إبراز قصة الطفل الذي رفض الصلاة على جريدة في المدرسة، لأنّها تحتوي على صور نساء سافرات! (ليس صدفة أنّ أردوغان تعني في التركية الطفل القويّ). والذي يتابع الآراء والتعليقات المكتوبة والشفهية عن الرجل سيرى أنّ صفات مثل “أمير المؤمنين” و”خليفة المسلمين” و”مستعيد أمجاد الإمبراطورية” و”العثمانية الجديدة” باتت جزءا من يقينيات ابن الشارع العربي! كما لا بدّ للمتابع أن ينتابه الابتسام الممزوج بالأسى إزاء ما يجده من تلميحات وإيحاءات حول بدايات أردوغان الشبيهة ببدايات السلف الصالح. فقد ولد فقيراً، عمل بـ”التجارة” كان يبيع البطيخ والليموناضة والكعك بالسمسم لأجل مساعدة أسرته وتأمين مصاريف تعليمه، رغم ذكائه وتفوقه إلا أنّه لا يتقن أيّ لغة أجنبية! درس علم الإدارة في جامعة مرمرة (يقول البعض أن جامعة مرمرة في تلك الأيام لم تكن فيها كلية لإدارة الأعمال، ربما كان معهداً) وتستفيض القصص في التعبير عن زهده وتقشفه (لم يغيّر بيته القديم حتى الآن)، وعن تواضعه ودماثته (فهو يذهب إلى موائد الفقراء في رمضان ليشاركهم إفطارهم مع زوجته) أمّا طيبته المعروفة فتجعله يشارك في واجبات العزاء وتلبية دعوة الشباب لمشاركتهم في لعبة كرة القدم (هذه يمكن أن تنوب عن ركوب الخيل مثلا)..الخ من الحكايات التي لا يتوقّع حتى أردوغان نفسه أنّها يمكن أن تروى أو تعني شيئاً لأحد!(2)
أما على مستوى الإسلام الرسميّ فقد حظي أردوغان بالاعتراف والثناء، حيث استحقّ جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، كما منحته جامعة أمّ القرى في مكّة دكتوراه فخرية في مجال خدمة الإسلام، سبقتهما دكتوراه فخرية من جامعة حلب في سورية، وجامعة غزّة في فلسطين.(3) ولعلّ الهدية التي قدمها له الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هي الأغلى ـ حيث أشاد بيان الاتحاد الذي وقّعه 31 عالماً وقيادياً، بموقف تركيا من حصار غزّة، داعياً السيّاح العرب إلى اختيار تركيا وجهة سياحية لهم في الصيف، وناشد العالم الإسلامي والعربي الوقوف إلى جانب إخوانهم في تركيا بالدعم الإعلامي المؤثر ومثله الدعم الاقتصادي بترسيخ إستراتيجية اقتصادية مشتركة .. ـ يذكر أنّ تركيا سابع بلد في العالم من ناحية ازدهار السياحة، إذ بلغ عدد السياح العام الفائت 20 مليوناً منهم 800 ألف سائح إسرائيلي في حين بلغ عدد السياح العرب 1,5 مليونا. وتستهدف دوائر السياحة التركية تزايد عدد السياح العرب ليصبح 4 ملايين خلال العامين القادمين.
إسلام أردوغان كما يظهر على أرض الواقع بعيداً عن فضاء الرغبات والنوايا:
في معرض حديثه عن الصراع الجاري على ضبط معنى الإسلام وتعريفه، يقول د. صادق جلال العظم “هناك إسلام الطبقات الوسطى والتجارية وغرف التجارة والصناعة والزراعة والمصارف ورؤوس الأموال الباحثة بيقظة عالية عن أية فرصة استثمارية سريعة ومجزية في أية ناحية في الأرض ..إنه إسلام معتدل ومحافظ له مصلحة حيوية في الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.. يميل إلى التسامح الواسع في الشأن العام وإلى التشدد في الشأن الشخصي والفردي والعائلي. ويعتبر أنّ النموذج الأعلى لإسلام البيزنس هذا هو حزب العدالة والتنمية في تركيا”.(4)
وهذا الرأي هو تكثيف لما تقوله وتفعله السياسة التركية الحديثة، ففي اجتماعه مع سفراء بلده المائتين طيلة أربعة أيام، شرح وزير الخارجية التركي في 2009 أبعاد الدبلوماسية الجديدة “دبلوماسية السطح وليس دبلوماسية الخطوط .. والسطح هو العالم كله.. وأن الأزمات الموجودة في محيطات تركيا تشكّل فرصة لتنفيذ الرؤية الجديدة للدبلوماسية التركية في التحرّك لمنع انفجارها عبر القوة الناعمة أو قوّة المبادرة..ورأى أنّ الديمقراطية هي القوّة الأكبر لتركيا..”، وأوضح إستراتيجية بلده “تركيا في العام 2023 يجب أن تكون عضواً في الاتحاد الأوربي، وعلى علاقة تكامل أمني واقتصادي مع كل جيرانها، وأن تكون مؤسسة للنظام الجديد، وفي العالم ذات دور فعال وأن تكون ضمن الاقتصاديات العشرة في العالم..”، الأمر الذي أكّده أردوغان أمام منتدى رجال الأعمال السوري التركي نهاية 2009 “إننا بصدد وضع أسس شرق أوسط مزدهر، ويجب أن نؤسّس قاعدة السلام في الشرق الأوسط”.
لأردوغان وحزبه مشروع واحد هو الازدهار الاقتصادي، وهو يشترط إحلال السلام الداخلي والخارجيّ لتتمكّن البرجوازية الصاعدة من النموّ والتحليق خارج الحدود ودون عقبات. الأمر الذي يضع سياسته، بمواجهة السياسة الخارجية العلمانية السابقة التي التزمت الحياد حيال قضايا الشرق الأوسط المعقّدة والمحفوفة بالمخاطر والانفجارات، والأمر نفسه يصحّ على السياسة الداخلية السابقة التي أفضت إلى معدّل نموّ تحت الصفر بسبب بيروقراطية الدولة التي التهمت الاقتصاد، كما أخفقت في حلّ مشاكل الأقلّيات والحرّيات. وأردوغان الذي لا يسافر دون رجال الأعمال ليفتح لهم الأسواق (اتهمهم بعدم الكفاءة وحمّلهم مسؤولية البطالة التي وصلت إلى 13,5%)، استطاع أن يرفع نسبة تعاملات بلاده التجارية مع العالم العربي من3,5 مليار دولار إلى 37 مليار دولار. وأن يحافظ على نسبة نموّ اقتصادي بمعدّل 6% رغم الأزمة المالية العالمية! (يزعم أردوغان أنّ الله تعالى وهب بلده 18,5 مليار دولار، ساهمت في تأجيل شبح الأزمة الاقتصادية عنها، وهي مجموع المصادرات من الأموال النقدية مضافاً إليها سبائك ذهبية كانت تمرّ من بلاده في طريقها من إيران إلى لبنان!). ولأجل إحراز هذا التقدم الاقتصادي، بذلت الحكومة التركية جهوداً مضنية لأجل الملفّ السوري ـ السعودي، السوري ـ العراقي، السوري ـ السعودي ـ اللبناني، السوري ـ الإسرائيلي. وقد وصلت مساعيها إلى الصومال ـ حيث الذهب والإسلام يعيشان معاً، نعمة أخرى من ربّ العالمين لأردوغان ـ كذلك تجاه الملفّ النووي الإيراني، حيث حقّقت بمشاركة البرازيل إنجازاً لافتاً على هذا الصعيد. ناهيك عن إنجازاتها على صعيد التسوية الداخلية ـ غير الناجزة ـ مع الأكراد والأرمن والعلويين. أمّا ما يتعلّق بقضية الحريات، فكلّ ما أنجزه حزب العدالة والتنمية وما ينوي إنجازه في الاستفتاء الشعبي القادم، هو تلبية “لائحة كوبنهاغن” الخاصة بشروط الاتحاد الأوربي التي يفرضها على البلدان الراغبة بالانضمام إليه (توضيح من أجل الذين يسقطون أوهامهم على الواقع، فيفترضون أن تركيا “أردوغان” تبتعد عن أوربا، لتعود إلى الإسلام والعرب).
ولعل أبرز ما يميّز هذا الإسلام، احترامه لقوانين الدولة العلمانية فهو الذي تربّى في كنفها واستمدّ مشروعيته بفضل مؤسساتها وقوانينها وأنظمتها التي سمحت له بالوصول السلمي إلى السلطة، حتى لو جارت عليه “تعرّض حزب العدالة والتنمية إلى المحاكمة وحكم عليه بحرمانه من 50% من المخصصات الحكومية بسبب المساس بالعلمانية إثر قضية عودة الحجاب – وليس النقاب- إلى الجامعة، الأمر الذي تعاني منه ابنة أردوغان (سميّة) التي اضطرّت لمتابعة دراستها في الولايات المتحدة، حيث يسمح لها هناك بالحجاب الممنوع في جامعات بلد يرأس والدها وزراءه منذ ثمانية أعوام، كما تعاني منه زوجته التي يفرض عليها حلّ دبابيس الحجاب ووضعها في علبة خاصة إذا أرادت زيارة المشفى الخاص بالعسكريين، حتى لا تحمل شبهة الحجاب الممنوع قطعياً هناك ـ مثل كلّ مذهبية أخرى، كلّ شيء محسوب عند حرّاس العلمانيةـ لكنّ المرأة المناضلة المسلمة “أمينة” التي أصبحت زوجة “أردوغان” استفادت من الفضاء العلماني الذي يسمح لها بالاختلاط مع الرجال وممارسة العمل السياسي جنباً إلى جنب معهم، بل وطلب ودّ الرجل الذي تختاره!
وإذا كان “الحاج الرئيس” كما يلّقبه خصومه، يواجه هذا اللقب باللامبالاة، فهو حاجّ فعلياً، لكنّ الأهمّ أنّه رئيس وزراء دولة علمانية، عندما قطعت علاقتها بالدين واستبدلت الأحرف العربية باللاتينية، كانت تسعى لاستبعاد “الدوغمائيات” حسب تعبير أتاتورك، ومعها الثقافة والموروث العربيين والإسلاميين، وتتبنّى الثقافة والفكر الغربيين، وإذ نجحت الكمالية في بناء الدولة الجمهورية العلمانية ومؤسّساتها وأطرها، تكون قد أنجزت دورها، وما عليها إلا أن تواجه نقائصها المتمثلة بالاستبداد والتعصّب القومي اللذين يقفان في وجه تعدّدية الأحزاب والحريات الديمقراطية، وحلّ مشاكل الأقليات.. وهي مطالب الاتحاد الأوربي، الذي تسعى حكومة العدالة والتنمية (الإسلامية) للانضمام إليه، على حين يعيق الجيش العلماني ذلك. وفي إطار هذه المصالحة التي يمكن أن تنجز(هناك سيناريوهات كثيرة تفترض استحالة المصالحة وترجح أن ينحو الصراع باتجاه انقلاب عسكري، أو اغتيال أردوغان)، يفترض منطق التحليل أنّ هذه المصالحة أو الإصلاحات باتت ضرورة وإمكانية قائمة في المجتمع التركي، وستظل مطروحة حتى لو تحقّقت إمكانات أخرى.
ما لا يبرزه الإعلام (العربي خاصة) هو أنّ رئيس وزراء الدولة العلمانية، إذا ما أراد تشريع الحريات الدينية، فهو يلجأ إلى مؤسّسات العلمانية والمناهج العلمية في البحث لينجز ما يمكن تسميته إصلاحا دينياً. فالمسلمة التركية أصبحت نائبة مفتي، تفتي في شؤون العباد رجالاً ونساء (لم تعد ناقصة عقل ودين مثلما هو حالها في الإسلام عندنا)، وما يجب ذكره هنا أنّ وزارة الشؤون الدينية في تركيا وفّرت دراسات دينية لـ 450 امرأة لتصبحن فقيهات في الدين وكلّفتهن شرح روح الإسلام لسكان الأرياف. ورأت الفقيهات الجديدات “أنّ الإسلام حالياً يستغلّ لإخضاع المرأة”، أمّا الأهمّ فهو أنّ الوزارة كلّفت مجموعة من علماء الدين في جامعة أنقرة القيام بمراجعة شاملة للأحاديث الدينية. يقول أحد مستشاري المشروع ـ فيلكس كرونرـ “العديد من الأحاديث تمّ اصطناعه بعد وفاة النبيّ بقرون لخدمة مصالح معيّنة.. للأسف يمكنك تبرير أيّ شيء باستخدام حديث نبويّ ملفّق.. ثقافات متتالية استغلت الدين، محافظة في أغلبها، لدعم عدة أشكال من السيطرة داخل المجتمع.. وتنوي تركيا إلغاء الزخم “الثقافي” من الأحاديث والعودة إلى الأصل في التعاليم الإسلامية..”. ويوضّح مسؤول بارز في الوزارة ـ محمد جرميزـ خطة تعديل وإعادة تفسير بعض الأحاديث الصحيحة بما يتلاءم مع العصر بمثال الأحاديث الصحيحة عن منع النساء من السفر دون إذن أزواجهن، ويعتبر أنّها تعليمات وجدت بسبب مخاطر السفر زمن الرسول، ويؤكّد “أنّ النبيّ أعرب عن أمله أن يأتي اليوم الذي يمكن لامرأة فيه السفر لوحدها، لكن المنع يستخدم الآن للحدّ من حرية المرأة”. ويرى الخبير البريطاني ـ فادي حكورة ـ “تركيا كانت تحاول تصميم حياة سياسية تتماشى مع الإسلام، لكنها الآن تريد تصميم إسلام جديد..هي تريد تحويل الإسلام من دين يجب طاعة تعاليمه إلى دين مصمّم لتلبية حاجات الناس في ديمقراطية علمانية”. يشار إلى أنّ كلية الشريعة في تركيا تستخدم تقنيات النقد والفلسفة الغربيين في التعامل مع الحديث النبوي.(5)
إسلام “أردوغان” لم يبلغ تطرّف إسلام”أحمدي نجاد” في دعوته للقضاء على “إسرائيل” رغم علوّ نبرته، فخلاف تركيا مع “إسرائيل” هو خلاف حدود وليس خلاف وجود، حدود الدور والنفوذ المنوط بعملية السلام القادمة. (ليست له علاقة بالدين أو القومية) الأمر ذاته نجده في موقفه من المسلمين في الشيشان ودول البلقان، حيث أبدى إسلام “أردوغان” براغماتية واضحة لمصلحة بلده مع روسيا التي تصل المبادلات التجارية معها إلى 40 مليار دولار، ومن المخطّط أن تبلغ 100 مليار دولار بعد خمس سنوات، وروسيا تمدّ تركيا بـ60% من احتياجاتها من الغاز، كما تمّ الاتفاق معها على بناء أوّل محطة نووية في تركيا.(6)
وإذا كان “أردوغان” يستخدم النبرة العالية، والتعاطف الإنساني، والإيحاءات الدينية التي يؤمن بها، فهو يوظفها لصالح حزبه المقبل على انتخابات السنة القادمة، كما يوظفها لمصلحة سياسته الجديدة التي باتت توصف بالولادة الثانية للجمهورية في تركيا، كما بات يتردّد بأنّ “أردوغان” هو “أتاتورك ـ وتعني أبو تركياـ الثاني” والذي(بلا ريب) يطربه هذا اللقب، بل ربّما هو من أوحى به عندما قال : تركيا ليست دولة يتيمة يمكن أن تؤكل حقوقها.
لقد استطاع التلميذ “أردوغان” التفوّق على معلّمه “أربكان” عبر تصميم نسخة محدثة من الإسلام نالت استحسان الاتحاد الأوربي الذي وصف حزب العدالة والتنمية بأنه نموذج الإسلام المعتدل في مواجهة الإسلام المتطرّف، كما انتزعت اعترافاً واسعاً في أوساط عربية وإسلامية عريضة. كلّ ذلك دون أن يشير مرّة واحدة إلى موقع الإسلام من خريطة البرنامج السياسي لحزبه.(7)
وتتّضح كلّ يوم معالم “إسلامات” رسمية وشعبية وتكفيرية ومعتدلة.. تقتضي من المعنيّين تحديد خياراتهم وانتماءاتهم ومراكمتها. بدل الاستمرار في خلط الأوراق ورعاية الأوهام بذريعة أنّ الإسلام ينتصر في تركيا اليوم، وغداً في أماكن أخرى.
من ينتصر اليوم في تركيا هو الإصلاح الديني المتواكب مع زخم إصلاحات سياسية واقتصادية. وهو مشروع بناء قد يحمل انتكاسات، وإخفاقات في بعض جوانبه أو كلها. وإن كان للعرب أن يستفيدوا من التجربة التركية، (أبعد من التكتيكات السياسية والعقود الاقتصادية على أهميتهما) عليها أن تفهم أن تركيا لا تعود إلى الإسلام والخلافة، بقدر ما تمضي إلى بناء ثقافة إسلامية خاصة متوافقة مع مجتمعها، المتطلع إلى المزيد من الحريات والتعددية.
الهوامش:
- مواقع إسلامية عديدة تستنسخ القصص والأخبار ذاتها بتلوينات متنوعة. منها مدونة صلاح الدين، موقع سراج، مأرب برس، واحة المرأة، إسلام أون لاين.
- المصادر المذكورة سابقاً، وتشارك الكثير من الأقلام المثقفة في إثارة الحماس والخيال تحت عناوين لا حصر لها: أنا أردوغاني، أردوغان من آخر الرجال المتبقين، أتاتورك الثاني، الفيصل الجديد، الرجل النبيل، رجل بحجم السياسة..
- يسجل السبق في إبراز دور السيد”أردوغان” الإقليمي إلى الكونغرس الأمريكي الذي منحه”درع الشجاعة” تحت تأثير اللوبي اليهودي عام 2004 . عن مقال سمير صالحة في الشرق الأوسط اللندنية 10 يوليو 2010.
- موقع الأوان الدولة العلمانية والمسألة الدينية ـ تركيا نموذجاً
- موقع المعرفة حسب إحصاءات 2008 الدول العربية مجتمعة سجلت 173 اختراعاً، وكانت قد خصصت 5,1 مليار دولار للبحث العلمي . على حين سجلت تركيا وحدها 367 اختراعاً، وخصصت 6 مليار دولار للبحث العلمي.
- كل الاقتباسات والأرقام مأخوذة من العربية نت – ملف تركيا – والـbbc العربية.
- في الوقت الذي تواجه فيه الإصلاحات الدينية لصالح المسلمين تعثراً واضحاً، يوافق البرلمان(حزب التنمية والعدالة يشكل أكثرية في البرلمان) على إعادة ممتلكات اليهود والمسيحيين التي صادرتها الدولة العلمانية منذ عقود.. كما يتم افتتاح شاطئ للعراة الأجانب.. يذكر أن تقريراً أمريكياً عن الحريات الدينية، وضع تركيا على قائمة المراقبة بشأن الحريات الدينية.
موقع الأوان
لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا