تفيد احصاءات منظمة الصحة العالمية بوجود مليار انسان مُعاق، أي ما نسبته 15% من عدد سكان الأرض، أي ما يعادل شخص معاق في كل عائلة من سبعة إلى ثمانية أفراد. لكن هذا التوزيع افتراضي نوعاً ما، إذ تكشف المعطيات أن 80% من الإعاقات تتواجد في القسم الجنوبي من كوكبنا (التعيس) وتزداد طرداً تبعاً للفقر والجهل والحروب.
وقد بلغ نصيب السوريين من الإعاقة حتى نهاية 2014 حوالي مليون انسان معاق بدرجات متفاوتة، مع ترجيح تفاقم حالاتهم نتيجة الحرب المستمرة والافتقار المتزايد لشتى صنوف العلاج والأدوية والرعاية بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية ونوعية الغذاء والماء والصرف الصحي. ورغم وجود أسباب كثيرة تحول دون أرقام دقيقة في مجال الإعاقة في العالم وفي سورية تحديداً، إلا أن معظم الأبحاث تتفق على أن نسبة الإعاقة تزداد في ظروف الحروب والنزاعات المسلحة بحدود 30% عن معدلها في البلدان التي تشهد استقراراً نسبياً. وإذا ما أضفنا حقيقة أن الإعاقات تزداد مع تقدم السن، ناهيك عن الاعاقات الخلقية والمبكرة، وعن غيرها الناتجة عن الكوارث البيئية والتلوث والأمراض العضال وحوادث السير واصابات العمل والأخطاء الطبية والجريمة، وعن مخلفات الحروب من القنابل والألغام واالاشعاعات والغازات المتسربة… الخ ما يعني أن معدلات الإعاقة تسير إلى الزيادة (للأسف)، ما يجعل موضوع الإعاقة من أكثر المواضيع حيوية وراهنية للتعاطي معه على مستويين رئيسين.
المستوى الأول: من المعروف أن المعاقين هم أول المتضررين في الحروب والقتال وآخر من يتم انقاذهم:
حيث صعوبات الوصول إليهم وتأمين الخدمات اللازمة لعلاجهم وتوفير حاجاتهم الأمر الذي يفاقم حالاتهم الجسدية والمعنوية. يشير التقرير الدولي للإعاقة إلى أن احتمالية تلقي المعوقين للمعاملة السيئة يزيد عموماً بمعدل أربعة أضعاف مقارنة بالأشخاص غير المعاقين، كما تشير الأبحاث إلى أن الاحباط والألم النفسي والصعوبات الاجتماعية (وكلها تؤدي إلى اعاقات نفسية) بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في دول تعاني من الصراعات المسلحة تتصاعد إلى 60 ــ 70% مقارنة مع دول أخرى. ومع ذلك يمكن لنصف المصابين بالإعاقات النفسية جراء الحروب تجاوزها في حال توفرت الرعاية كجزء من برامج الإغاثة واعادة التأهيل. ما يرّتب على البشرية الاعتراف بتقصيرها في مكافحة الفقر والجهل والحروب كمولدات للإعاقة، كما الاعتراف بقصورها عن بلوغ المستوى العلمي والطبي الذي سيحول دون وجود اعاقات خلقية أو مرضية. وريثما يتم تجاوز التقصير والقصور في زمن ما، لابد من قبول الواقع والتعاطي معه على أنه جزء من الحياة الراهنة لمجتمعاتنا، شكل من أشكال الوجود الشائعة (مليار معوق)، والتي تستدعي تسليط الضوء عليها وعلى معاناتها جراء أفكارنا وسلوكياتنا التمييزية، وتأمين سبل وجودها وانتاجها اجتماعياً وقانونياً وأهلياً بما يضمن حقوقها وكرامتها. حيث حرية وكرامة أي مجموعة بشرية هي جزء من حرية الكل وكرامته. هذه ليست شعارات ولا نوع من تسامي انساني، هنا نحن نحرر أنفسنا (مع المعوقين أو ربما قبلهم) من أعباء انكار أهلنا وأقربائنا واخفائهم عن عيون الآخرين وكأنهم أحد عيوبنا أو نواقصنا، نتحرر من التبعات الثقيلة على كل أسرة بمفردها في اعالة المعوق وتأمين حياته مادياً ومعنوياً، الأمر الذي يعجّل في دخولها إلى دائرة الإعاقة المفرغة. حيث تتحدث الأرقام عن النقص الفاضح في الرعاية الاجتماعية العامة (الحكومية) تجاه المعوقين حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تعتمد على الخدمات الأسرية والأهلية المدنية بنسبة 70%.
المستوى الثاني لموضوع الإعاقة: هو مستوى وعي الواقع والتعامل معه بالنسبة لعموم البشر:
حيث يلاحظ الاهتمام المتأخر نسبياً بقضايا الإعاقة التي بدأت أواخر سبعينيات القرن الماضي ونالت بعض الاعتراف الأممي في التسعينيات (خصصت اليونسكو عام 1993 يوماً عالمياً للمعوقين في الثالث من كانون الأول كل عام) كمناسبة للفت الانتباه إلى حقوقهم في الرفاه والكرامة، في حين تأخر اقرار معاهدة خاصة بحقوقهم إلى 2006 على أن يجري تطبيقها في 2008 رغم افتقارها إلى بعض الاجراءات الرادعة في حالات عدم التقيد بتنفيذ بنودها.
والمهم هنا هو بذل الجهد الفردي والجمعي تالياً للخروج من أوهام الكمال والصور النمطية للجمال والجاذبية والتي تنشأ غالباً بفعل مؤسسات اقتصادية استهلاكية تجيّش مفكرين وأدباء ومثقفين ورجال تسويق واعلان وعلاقات عامة، وتسخر الفنون ووسائل الإعلام لخدمة مصالحها في السيطرة على مستهلكي خدماتها لتمرير ثقافتها ونمط الحياة الذي تروّج له. هذه الصور والأحكام المسبقة التي يجري تلقيمنا اياها، رغم دقتها ورقتها لم تحل مشاكلنا، على العكس زادتها تفاقماً لأنها ترفع سقف تطلعاتنا واشتهاءنا دون توّقع اشباع محتمل، إذ ببساطة من غير الواقعي أن تكون المرأة التي تنهار لتغير حجم مسامات جلدها أو تمايز لون الوريد أعلى ساقها، هي نفسها شريكة حياة رجل يواجه اعاقة أو أماً قوية تساند أولادها أو حتى صديقة تدعم ولو معنوياً، كما من المشكوك فيه أن يكون الرجل الذي يشغل خياله بإمرأة كهذه انساناً طيباً مع نساء معوقات.
النظرة إلى الجمال والكمال:
طالما تغيرت النظرة إلى الجمال والكمال عبر التاريخ لأسباب تتعلق بالبيئة والمكتشفات ووفرة مواد اللباس والتجميل… الخ، ما يعني أن مقاييس صارمة لمحيط الخصر وتدويرة الردفين والوجنتين وامتلاء الشفتين وإلى ما هنالك … هذه المقاييس، إن لم تتبدّل، يمكنها أن تنسحب إلى مجال الأفكار التمييزية البشعة. فحرّي بنا أن نعمل على اختبار وتطوير مقاييس لمدى قبولنا لأنفسنا ومحبتنا لذواتنا ولمن حولنا، لقدرتنا على تدوير زوايا النظر إلى النقص والحاجة والضعف واعتبارها من منتجات الحياة ذاتها التي أنتجت (حضراتنا)، ينبغي علينا أن نشغل بالنا باستئصال أورام الكراهية والنبذ والاقصاء لكل مختلف عنا سواء بالشكل أو اللون أو الانتماء أو المعتقد أو الرأي، ويبدو أنه حان وقت التخفف من تراكم الفضلات الفكرية من مخلفات الشموليات المقيتة.
تولي النسوية الثالثة اهتماماً خاصاً لفهم علاقة النظم الثقافية المهيمنة بالجسد، الذي تعترف وتحتفل بتعدده وتنوعه وفردانية تجسدّه في كل ذات انسانية، ما يؤهلها إلى تصدّر ساحة النقاش والابداع والعمل على بناء عالم أكثر عدالة وكرامة للجميع، وما يستدعي المزيد من الكفاح بمواجهة أخطر أنواع الإعاقات: الأفكار النمطية المسبقة التي تحّل الوهم محل الحلم وتصادر الخيال لتأبيد واقع الحال.
18/08/2015
شبكة المرأة السورية
لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا
ضحى عاشور