أتذكر الحجر الصحي الأول، لم يكن “سيئاً تماماً”. حيث كان الطقس جميلاً، كنا نأكل في الحديقة أحياناً، وكنت أتعشى في موعد ثابت، الأمر الذي ساعدني على انقاص وزني وتنظيم وقتي بطريقة مختلفة عن السابق، كنت أكتب وأشاهد المسلسلات والأهم أنني اغتنمت فرصة التواجد مع أحبائي.
كل ليلة في الثامنة مساء، مثل كل الناس في فرنسا، كنا نصفق للطاقم الطبي. كنت أقول لنفسي: البلد الذي يعتني بكبار السن بدل الاهتمام باقتصاده فقط، هذا البلد مازال بخير.
الحجر الصحي الثاني، لم أحبه كثيراً. بسبب الطقس أساساً، إذ كنا ذاهبين نحو الشتاء ومحبطين قليلاً، تساءلنا إلى متى سيستمر هذا، وإذا ما كان سيتم ايجاد اللقاح في وقت قريب. وفي المساءات على الساعة الثامنة، لم نكن نصفق لأحد، ولم نفتح النوافذ أصلاً.
الحجر الثالث، كان زمن انفجار مبيعات الكلاب، كان اقتناء الكلاب أفضل وسيلة لتبرير التنزه في الغابة. الذين لم يستطيعوا شراء كلب، اكتفوا بشراء رباط للكلب، حالما كانوا يصادفون الدرك أو الشرطة، كانوا يركضون والرباط بيدهم ويصرخون: سلطان، ارجع يا سلطان، ارجع!
تزامن الحجر الرابع مع ذكرى وفاة ” صموئيل باتي” تداول البعض (بحسن نية) فكرة العودة إلى التصفيق عند الساعة الثامنة ولكن لأجل معلمي المدارس والثانويات هذه المرة. الأمر الذي تسبب بكثير من الجدل، حيث اعتقد البعض الآخر أنها فكرة استفزازية.
لا أتذكر الكثير عن الحجر الخامس، أعتقد أنني بدأت بالشرب في اليوم الأول وبقيت مخموراً ستة أسابيع. أحياناً كنت أتقيأ لأفسح المجال لمزيد من الكحول.
زاد وزني ابتداء من الحجر السادس.
بين الحجرين السابع والثامن، لم أغادر منزلي، كنت قد فقدت هذه العادة.
خلال الحجر التاسع، فتحت نافذتي المطلة على جاري الذي يعمل في البناء والذي صرخ عند رؤيتي قائلاً: ” نظراً لوضعك الحالي، ربما عليك أن توسع باب المنزل في حال أردت الخروج”.
في الحجر التالي والذي بعده والذي تلاهما… كنت أجيبه: ماذا أفعل؟! وأغلق النافذة.
الحجر السابع عشر، أتذكره جيداً، لقد شاهدنا الكثير من الأفلام والمقاطع القديمة والكوميديا الرومانسية… كان الأولاد يستغربون رؤية القبل والعناق في المشاهد التمثيلية، كانوا يشعرون بالاشمئزاز من ذلك مستنكرين : ” إنه شيء يتنافى مع قواعد النظافة، ولا جدوى منه!”
لم نرد عليهم، كنا نخشى الظهور أمامهم كغرباء منبوذين، رغم شعورنا بالحنين إلى ذلك الزمن.
قريباً، سأدخل الحجر الثالث والعشرين. بطريقة ما، لا أدري كيف، لكن الحياة تمر بسرعة عندما نكون في سبات.
بالنسبة للشباب، نحن من عصر الديناصورات. يسألوننا: ” ماذا كنتم تفعلون طيلة اليوم قبل الحجر المتكرر؟ ولماذا كنتم تتواعدون مع أصدقائكم في المقاهي والمطاعم… مادام الأمر متاحاً ويسيراً عبر تطبيق زووم ؟!
كيف ترد؟ ماذا تقول؟
نتظاهر أننا لم نسمع!
وننتظر أن يأتي الليل لنحلم بالقبلات والمصافحات والعناقات… بدور السينما والمسارح والمدرجات…
أحلامنا اليوم هي حياتنا اليومية بالأمس.
فرانسوا موريل
ممثل فرنسي ومغني وكاتب عمود في اذاعة فرانس انتير
ترجمة ضحى عاشور
One Comment
عماد
ماذا أرد ؟ ماذا أقول ؟؟ نعم نحن من زمن الديناصورات الحية تذوقنا طعم الصحبة والتواصل في المقاهي، وتنشقتا عبق الهمس المعفر بدخان السجائر العتيقة، وسهرنا بصحبة من نحب ولم نحظَ بترف إلا احتساء نوعاً واحداً فقط من القهوة … كانت صامتة تسمع همسنا وضحكاتنا، لكن عبقها كان يغمر كل مسامات الحواس … ويعادل كل صخب ومذاقات قهوات الإيقاع السريع المتبلدة المشاعر …..آآآآه
شكرا ضحى