هل يمكن أن ينفجر السيليكون في يدي أو داخل فمي؟ هل سأتلوّث بمفرزات قذرة؟ وهل تعتبر العلاقة مع الروبوتات الجنسية خيانة زوجية؟ ماذا لو تعرّضت الدمية إلى قرصنة أدّت إلى إيذاء المستخدم أو قتله بدلاً من خدمته وإمتاعه؟
إنها بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً عن الدمى الجنسية وشبيهاتها من الجيل الإلكتروني المطوّر الذي يَعد بإمكانات غير مسبوقة. فبعد أن كانت بحسب المروّجين ” سيّدة حقيقية، خيالية، دائماً على استعداد…” أصبح من المتوقّع أن تصبح أُمّاً وتنجب أطفالاً في السنوات القليلة القادمة. الأمر الذي يعني أن عالم السيليكون صار واقعاً ومستقبلاً (ربّما)، ما يفترض أن عمليات البحث عن مصادره وتنقيته وتحسينه ستشكّل ملامح مرحلة تذكّر بفورة اكتشاف النفط وما نتج عنها من متغيّرات اقتصادية واجتماعية، مع ملاحظة أننا هنا أمام متغيّر نوعي يتمثّل باختراع “نوع جديد” لن يكون له تحدّياته المعرفية والقانونية والاجتماعية وغيرها فقط، بل سيولّد عقبات ومواجهات بين النوعين الاجتماعيين (الرجل والمرأة)، تزيد الطين بِلّة.
ما علاقة المرأة الدمية بالرجل الكيوت؟
بدأ الترويج للربوتات الجنسية تحت شعارات وأهداف “إنسانية” كالعادة: هناك مريض سرطان في مراحله الأخيرة ولا يريد أن يترك وراءه أرملة، فتزوّج من روبوت وألبسها فستاناً ليلكيّاً …إلى آخر هذه المعزوفات الفانتازية، وهنا معوّق وثالث خجول ورابع يعيش في عزلة. على حين تقول البيانات أن معظم الزبائن شباب “يسعون إلى تأسيس مسيرتهم المهنية وليس لديهم وقتاً للحياة الخاصة”. المسيرة المهنية، هي الأهمّ في حياة الشباب بالنسبة لعالم المال، هذه المسيرة التي يجب أن تظلّ تسير بلا توقّف وإلى النهاية، طالما هناك الكثير من “الأشرار” المنافسين والخصوم من الزملاء والأصدقاء الذين يجب التفوّق عليهم وسحقهم في سبيل الترقّي وكسب المزيد من المال الضروري لمواصلة الدراسة والدورات وتحسين مهارات استخدام التكنولوجيا وامتلاك أحدث وسائلها وأسرعها وأفخرها بما يتناسب مع الرجل العصريّ الوسيم الذي يهتمّ برشاقته وعطره وأظافره ووشمه (التاتو) وكلبه، ويتدرّب على حركات جسده وعدد كلماته ونظرته ورقصته، ويحصي سعراته الحرارية، ويسترخي في كورس اليوغا، وعبر كل ذلك ينمو لديه شغف مستبدّ: لمس الأزرار والشاشات الناعمة، يشتري ويبيع ويقبض ويتعلّم ويعمل ويشاهد أفلامه بلمسة شاشة، بكبسة زر.
وفي آخر اليوم، هو منهك ووحيد و”ليس لديه وقتاً للحياة الخاصة” ولا يعرف كيف يبادر إلى أية حياة أصلاً، ليجد ضالته في الروبوت الدمية المصمّمة لأجله هو بالتحديد، المعزول النموذجي، فهي ” تهدف إلى تلبية حاجات الرجل دون تذمّر، وتجنّبه الأزمات العاطفية وتحميه من الخيانة الزوجية”.
إنه عالم المال الساحر، بلمسة يدفع لك أجرك، وبأخرى يوفّر لك طرقاً سهلة وآمنة لتصرفه، وإن لم يتوفّر لك ثمن شراء دميتك، يمكنك استئجار واحدة، ودائماً لديك خيار لمس شاشة التحكّم بدرجة الصوت ونوع الحديث وتكرار الكلمات المفضّلة لديك (وفق آليات الذكاء الاصطناعي)، وإن شعرت بالضجر كما يليق بأي رجل كيوت (أو أموّر أو مزّ أو مزيون) كما أصبح متعارفاً على تسميتك في الأحاديث اليومية عندنا وفي المسلسلات والسينما العربية أيضاً، لا عليك، يمكنك أن تمضي قدماً في تأسيس مسيرتك المهنية لتجني المزيد من المال، وقتها لا شيء يمنعك أن تقتني دمية أخرى وثالثة وعاشرة… حتى أنه هناك رجل ما يملك منها 45 واحدة ويعيش معهن جميعاً. وكلما دفعت أكثر تستمتع أكثر باللمس المباشر على جلد الدمية، أقصد سيليكونها، الحساس للّمس، ما يؤدّي إلى اهتزازها.
في سياق حديثه عن الخطاب الاجتماعي يقول فوكو: ” هذا الخطاب يبرز الذكر في شكله القوي والمسيطر، ويقصي الأنثى ويضعها خارج السياق”. لم يعش فوكو ليرى الذكر في شكله العاجز المتسمّر أمام شاشات اللمس رغم سيطرة خطابه، ولا الأنثى التي تخرج من السياق واقعياً، وليس على صعيد الخطاب الاجتماعي فقط. إنها منفية تماماً، غير مرئية، غير موجودة إلا لملء فراغات تفصيلية مشروطة برضوخها للعيش مع شريكاتها من الربوتات، أو بتحوّلها هي نفسها إلى دمية. الأمر الذي شهدناه منذ سنين طويلة بأشكال مختلفة قبل عصر السيليكون وبعده، بل إن التجارب السيليكونية الأولى تمّ اختبارها على أجساد نساء بعد “تمكينهنّ الاقتصادي” وبسببه استطعن هدر أموالهن وقامرن بسلامتهن وعانين الآلام والالتزامات القاهرة لضمان نجاح العمليات، وكثيرات منهن يتابعنَ بهوس هستيري شتم النسويات والتبرّؤ منهن جنباً إلى جنب مع مراجعة كتاب ” الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، ولا يفوّتن واحداً من فيديوهات ” أحبّيه، اطبخي له، لا تنتقديه، لا تتعبيه بهمومك وطلباتك، سامحيه، اهتمّي بأهله وأولاده وثيابه وأصدقائه وعمله وهواياته، لا تشتكي، لا ترفعي صوتك، البسي له…” أي باختصار كوني دميته (سندريلاه)، وهنّ بالفعل يسعينَ بإخلاص، لكن المعضلة تكمن في الرجل الكيوت.
الرجل الذي ترك نفسه في مرحلة الطفولة ولم يهتمّ بشيء عدا مسيرته المهنية، ليجدها أسيرة صورتين متناقضتين عن المرأة:
صورة الأم التي تمنحه وتقبل عليه وتقبله دون مقابل، وصورة العشيقة التي تغويه لكنه يخشى هجرها لأنه يدرك في أعماقه أنه يريد منها الكثير دون أن يبادلها أو يتفاعل مع احتياجاتها، فهو مازال الطفل الأناني المعتاد الحصول على كل ما يريد دون جهد يذكر. كما للنساء معضلتهن الخاصة بالتصوّرات الثقافية الجائرة عن العلاقة مع الرجل والتي تملي على الضعيف إرضاء القوي وتطمينه وإبداء حسن النيّة تجاهه متمثّلة بمقولة” كوني امرأته، ليكون رجلك”، ولذلك فهي عندما تجهد لتكون الأم أو الحبيبة تنتظر أن يكون هو رجلها القوي العارف الحامي العادل المحبّ الفارس الذي يهيّئ لها سبل الانطلاق إلى الحياة الحرة الكريمة.
وعندما تيْئَس من ظهور “أميرها”، تجد هي أيضاً خيار الروبوت الدمية الذكر وقد أصبح متاحاً، ولو على نطاق أضيق. وفي الواقع، إن عالم المال لا يميّز بين المرأة والرجل بوصفهما زبائن، لا يكفّ عن خلق احتياجاتهم وتلبيتها.
07/2018
مجلة صور
لقراءة المقال الأصل اضغط/ي هنا