يأتي يوم المرأة العالمي هذا العام، والمرأة السورية نازحة أو مشردة أو منكوبة بفقدان بيتها وذويها، وترزح تحت وطأة الخوف والعوز وفقدان الأمل. ناهيك عن معاناة الشابات وقلقهن على مستقبل التعليم والحريات والعنوسة المحتملة، والنزعات العنفية التي تعممها الحرب باستمرار. وقبل هذا كله، حقها في الحياة والسكن والطعام والدواء والأمن الذاتي. ما يضعها أمام مسؤوليات وتحديات جسيمة لم يسبق أن تم اعدداها لمواجهتها.
المرأة والسلطة
يتزامن الاحتفال بيوم المرأة العالمي في سوريا مع الاحتفالات بذكرى ” ثورة البعث في 8 آذار 1963″، ولعل صدفة التزامن هذه تختزل مشهد وضع المرأة خلال عهد البعث بكامله. حيث عمد البعث بتوجهاته الإيديولوجية إلى تهميش مجمل الحقوق والحريات الوطنية وحرية وحقوق المرأة ضمناً. ما يشير إلى أن معظم التراث الحقوقي الايجابي لصالح المرأة تم تكريسه في خمسينيات القرن الماضي.
لم تغب المرأة السورية عن المشهد السياسي والاجتماعي طيلة حكم البعث، مع أن تواجدها اقتصر على نساء من الطبقة المتوسطة أو المتعلمة أو المهنيات ذوات الاستقلالية المادية والمعنوية كما هو الحال في معظم بلدان العالم، تشهد على ذلك أسماء عديدة برزت في الأحزاب والتجمعات السياسية العلنية منها والسرية، وواجهت السجن لسنوات، ومن وسط الأحزاب أو من أطرافها برزت الكثيرات من النساء الكاتبات والفنانات والصحافيات والحقوقيات.
وكانت النساء مشاركات فعالات في أولى الاعتصامات في دمشق، الذي تم اعتقال أكثر من امرأة فيه. وما لبثت المرأة أن انخرطت بالمظاهرات والاحتجاجات، وساهمت في تأمين مستلزمات التظاهر من لافتات وأعلام وكتابة شعارات ومشاركة في التصوير والنشر والكتابة ونقل الأخبار. سواء المرأة المؤيدة للنظام أو المرأة المعارضة. لكن التركيز على المرأة المعارضة نظراً لحجم المخاطر التي تتعرض لها في ظل سلطة مستبدة. ساعدها في ذلك وقوف الرجل إلى جانبها والاعتراف العفوي بدورها وقدراتها وكفاءتها التي كانت تظهر وتتعاظم باطراد، مفاجئة ذاتها والمجتمع الذي تنتمي إليه. إذ طالما تظهر في أوقات المحن الكبرى قدرات حبيسة منعزلة بفضل الطاقة الثورية الجماعية والأخوة البشرية الطبيعية التي تعود للظهور بين الناس المشتركين بمعاناة وأهداف وطموحات متقاربة. لا يخلو الأمر من الحوادث المتناثرة خاصة في الأرياف، حيث القيود الاجتماعية لم تتراخَ بما يكفي لتسمح للرجل أن يقبل الانعطاف المفاجئ في تحول المرأة من تابع إلى شريك.
المرأة في الحرب
كان للخيار العسكري ــ الأمني وما قابله من دخول المعارضة في المواجهة العسكرية وسيطرة التيارات الإسلامية بدعم خارجي، الأثر الأكبر في تدهور وضع المرأة السورية بصورة دراماتيكية. إذ سرعان ما وقعت ضحية الحرب الهمجية المتصاعدة. ما ألقى عليها أعباء النزوج مع الأولاد وتحمل تبعات الحياة بعد غياب الزوج في أماكن القتال أو الموت أو الاعتقال والخطف. ولم تسلم النساء أنفسهن من الخطف والاغتصاب والتعريض بكراماتهن والمسّ بسمعتهن والنيل منهن في ظاهرة لافتة وحدّت بين المعارضة والموالاة، حيث لجأ الطرفان إلى تحقير المرأة عقلاً وروحاً وجسداً، عبر كيل القذف والشتائم المتبادلة متوسلين تعابير مهينة في دلالة على عمق الذهنية الذكورية التي لا تعترف بالمرأة إلا كإنسان من الدرجة الثانية.
ومع استمرار الحرب وتفاقم سيطرة التيارات الإسلامية المتطرفة على “المناطق المحررة” أخذت المرأة تتحول إلى عبء على المتحاربين، محاولين اقصاءها عن أي شكل من الوجود في الفضاء العام عبر التعدي على الناشطات واختطافهن أو اعتقالهن والدعوات المتزايدة لتشديد النقاب والحجاب وتشريع العقوبات ضد المخالفات تحت راية “الدين والشريعة”.
أخفقت المعارضة في إيجاد دور للمرأة، ما انعكس في التمثيل الضعيف نسبياً لها في أطر المعارضة، وعدم تمكنيها من المشاركة في صنع السياسات واتخاذ القرارات، وفي نصوص فضفاضة لا تلبي تطلعاتها إلى الحرية.
دمشق 03/06/2014
موقع هنا صوتك
لقراءة المقال الأصل اضغط/ي هنا