مقالات نسوية

التمكين السياسي للمرأة، إلى أي سياسة تتطلع النساء؟

ينطوي مفهوم التمكين على وجود طرفين الأول: قوي وقادر ومتيقن من خياراته، والثاني ضعيف وعاجز وغير مدرك للخيارات المتاحة التي من المفترض أنها ستوفر فرصاً أوفر لحياة أكثر سعادة ورفاهاً، على اعتبار الرفاه المادي والمعنوي غاية الوجود البشري.

وبناء عليه عمدت هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها إلى تعميم فكرة واجراءات التمكين السياسي للمرأة في كافة أنحاء العالم منذ أكثر من ثلاثة عقود، وصولاً لاعتباره أحد أهم الأهداف الانمائية للألفية الجديدة. لكن التقارير الأممية مخيبة للآمال رغم كل الجهود والموارد المرصودة لتحقيق الهدف، حيث لاحظ آخر تقرير ” أنه ما من منطقة في العالم تسير على المسار الصحيح لبلوغ الهدف المتمثل بأن تشغل النساء 30% من مواقع صنع القرارات”. علماً أن المرأة أخذت تشغل 19% من مقاعد المجالس النيابية في العالم، و16% من المناصب الوزارية.

ويخلص التقرير إلى اعتبار أن أكبر المعوقات في وجه الخطط الأممية تتمثل في التحيزات والصور النمطية السائدة بالإضافة إلى تثبيط النساء عن المنافسة المباشرة مع الرجال وعن الظهور والتفاعل العلني…الخ

إن قراءة تحليلية لمجمل التقارير ومعطيات التجارب المتراكمة والمتنوعة في مجال التمكين السياسي باتت ضرورية لمحاولة فهم أوضح وأكثر تحديداً للعراقيل أمام التمكين السياسي للمرأة ما قد يساعد على استنباط أفكار وآليات عمل محفزة ومجدية. وفي هذا السياق لابد من ملاحظة جوهرية وملاحظات عامة.

الملاحظة الجوهرية: تتلخص في تحديد مفهوم السياسة على ضوء طرق ممارستها العملية كما تتجلى في الواقع العياني المُشخص. فالسياسة اليوم أضحت في أذهان ووجدان معظم الناس (رجالاً ونساء) واجهة (من علوم وفنون) تخفي ورائها الدسائس والمؤامرات الاستخباراتية واللوبيات التي تخدم مصالح اقتصادات عابرة للقارات والكثير من الخداع والكذب والفساد… ما يفسّر انكفاء الناس المتزايد عن المشاركة السياسية الذي يتجلى بعزوفهم عن التصويت في الانتخابات النيابية والرئاسية، كما يظهر بتراجع شعبية معظم الأحزاب التقليدية العريقة في العالم، وبمصاعب وتعقيدات ولادة أحزاب جديدة فاعلة. حيث في كل مكان توجد هوّة عميقة بين الأقوال والبرامج الانتخابية المتخمة بالشعارات والكليشيهات الديمقراطية والانسانية والمنحازة إلى أكثرية البشر، على حين تخدم السياسات مصالح شرائح وفئات قليلة من العالم في شتى ميادين الاقتصاد والسياسة والعسكرة، كما تفوح نزعات العنصرية والاستعلاء من سياسات معظم الدول القوية والغنية تجاه الأفقر والأضعف، ودول الغرب والشمال تجاه الجنوب والشرق، ما يجعل سياسات الدول وأنظمة حكمها أحد أهم وأكبر المعوقات في وجه المشاركة السياسية العامة للرجال والنساء معاً، وما يترّتب على ذلك من عقبات أمام أي نشاط سياسي يستحق اسمه من أن يحظى بقدرات وامكانات وتوجهات تجعله يأخذ منذ البداية موقع الكفاح لأجل الالتزام بحد أدنى مقبول من نظافة السياسة وشفافيتها وأخلاقيتها قبل كل شيء. وهكذا نجد أن رعاة التمكين السياسي أمام مساءلة: عن أي سياسة تتحدثون؟! وما مصلحة النساء في التمكن من سياسة أصبح يعافها الرجال؟! دون أن يعني هذا الدعوة إلى الانسحاب من ميدان السياسة، بقدر ما يلفت النظر إلى تعقيدات الانخراط في شتى ميادينها.

ملاحظات عامة:

ــ يعتمد مؤشر الأمم المتحدة للتمكين السياسي على نسبة حصول المرأة على مقاعد في البرلمان، على اعتبار البرلمان مصدر التشريعات والادارة السياسية في كل بلاد العالم، الأمر الذي يتجاهل الفوراق بين أنظمة الحكم المختلفة في العديد من البلدان واقتصار البرلمانات فيها على كونه قطعة ديكور (واجهة مادية) لابد منها لاثبات الانتماء إلى العالم، وهكذا تخفي نسبة الـ 19% التي تحتلها المرأة في برلمانات العالم حقيقة أن المرأة الكويتية حصلت على حق التصويت عام2005 والمرأة السعودية لم تحصل عليه إلا في 2011 .

ــ الملاحظة السابقة المتعلقة بتعقيدات وضع المرأة (والإنسان عموماً) تحت أنواع مختلفة من أنظمة الحكم، تستدعي السعي عند التمكين للدخول من الأبواب الأقل أهمية من البرلمان، لكن الأكثر فاعلية مستقبلاً (ربما)، والمقصود هنا دعم المرأة في مجالات الدراسة والبحث السياسي (الجامعات ومراكز الأبحاث) أي في مجال الانتاج النظري للسياسة، وفي دخول مجال القضاء والمالية والاقتصاد والحربية والديبلوماسية.. وسائر المجالات المتحكمة بالسياسة. وعدم قصر مشاركتها على المجالات الانسانية والخدمية، حيث يلاحظ أن معظم الوزيرات حملن حقائب وزارات الصحة والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية.

ــ الكثير من خطط التمكين السياسي للمرأة تركز على دعم مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية، الأمر الذي سبقت الاشارة إلى بعض اشكالياته، ولذلك يكتسب أهمية خاصة التمكين في مجال العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني، التي تعتبر مدارس تطبيقية لاكتساب علوم وفنون الادارة والتنظيم والوصول إلى أهداف عملية غير ربحية، ونشر ثقافة العمل التطوعي وخبرات انجاز الأعمال بأقل التكاليف بحيث يتم الاستغناء عن تحكم الممولين أو الحد منه. كما ينبغي الاهتمام أكثر فأكثر في مجال حيوي مثل الصحافة وخصوصاً الصحافة الميدانية والاستقصائية (التحقيقات).

ــ لعل فاتحة الملاحظات ينبغي أن تكون: مدى نسوية النساء اللواتي يجري الحديث عن تمكينهن في مجال صنع القرارات ووضع السياسات، والمقصود مدى قناعتهن بحقوقهن بالمساواة واستعدادهن للدفاع عنها، والمشاركة من باب التنوع والاختلاف وليس عن طريق التبعية والتماهي مع السائد. إن التمكين السياسي للمرأة يعني مساعدة النساء على تملك ذواتهن واظهار قدراتهن وابراز وجهة نظرهن في ميدان السياسة كما في سائر الميادين.

ـــ يعوّل عالم اليوم كثيراً على المشاركة السياسية للمرأة في احداث فارق ليس كمي فحسب (30% ثم 50%)، بقدر ما هو فارق نوعي يستطيع اعلاء مكانة السياسة بما هي مجال لاتخاذ القرارات والسير بخيارات تضمن رفاه كل البشر، خيارات عقلانية حكيمة مفعمة بالحنان والعناية والمسؤولية تجاه استثمار الموارد المشتركة وفي مقدمتها الانسان بما يضمن استمرار الجنس البشري ويحفظ كرامته وحرياته وخياراته الراهنة والمستقبلية. ما يرّتب على النساء مسؤوليات مركبة: تحرير المرأة وتحرير المجتمع الانساني من “السياسات” المسؤولة عما وصل إليه من الخراب والحروب والويلات.

22/09/2015

 شبكة المرأة السورية

لقراءة المقال الأصل اضغط/ي هنا 

مقال ذو صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *