مقالات نسوية

هي أم هو .. مثال آخر عن اختزال قضايا المرأة في هيئة الأمم المتحدة

يتابع ملف “سيدة سوريا” عن نساء يقدن العالم طرح سؤال: هل ستناصر المرأة في منصب الأمين العام قضايا المرأة؟

يشير السؤال إلى جوهر القضية بوضوح، أي أن المهم في أمر وصول امرأة إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، هو مدى مناصرتها لقضايا المرأة واستعدادها لطرحها والدفاع عنها كقضية تخص الأمم جميعاً إلى جانب القضايا الأخرى.

رغم كل الضجيج الإعلامي الذي أثير بدافع الإثارة والتسلية في معظمه حول احتمال تولي امرأة منصب الأمين العام، إلا أن قضايا المرأة لم تحظَ بالاهتمام المأمول لها، والأغرب أنها لم تنل اهتماماً خاصاً من قبل المرشحات للمنصب!

مفارقات في المناظرة بين المرشحين للمنصب:

في تغطية شبكة الجزيرة التي اختارتها الأمم المتحدة لتكون منبراً ينقل المناظرة بين عشر مرشحين (من أصل 12) يتنافسون على منصب الأمين العام، مُنح كل مرشح حق التعريف عن نفسه لمدة دقيقة ونصف، وعبر التعريف الأولي لم يتحدث سوى رجل واحد عن التزامه بخطة الأمم المتحدة بالوصول إلى تمثيل نسائي يعادل نصف عدد العاملين، علماً بأن النسبة المحققة حتى الآن لا تتجاوز 22%. على حين تفادت أي من النساء الستة التطرق إلى موضوعات المرأة، ولو تلميحاً، في سياق تعريفها المكثف بأفضلياتها وخططها في حال فوزها بالمنصب.

وفي سياق التغطية التي استمرت ثلاث ساعات تداركت النساء هذا الأمر، ربما أسوة بالرجال المنافسين، حين سألت الناشطة الهندية

في مجال حقوق الإنسان (وهي إحدى الضيوف): ماذا ستفعلون لكي تعينوا نساء أكثر؟ وقاطعها الحضور (القليل والمنتقى بمعايير غير واضحة) بالتصفيق الشديد دلالة حرصه وتأييده لطرح القضية. ومع ذلك بدا أن لدى الرجال إجابات أكثر تحديداً وعملية، إذ أكدوا على احترام العمل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن خاصة وأن كل من قضايا التنمية وحفظ السلم والهجرة وغيرها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرأة وحقوقها، وأكد غوتيرس (الأمين العام الفائز بالمنصب) أن السياسات عموماً ينبغي أن تنتقل من الحماية إلى التمكين. كما أوضح المرشح الصربي أنه وضع 11 بنداً خاصاً بالمرأة من أصل 53 في خطته ونشرها في موقعه الخاص. على حين أكدت النساء أن فوز كل منهن سيكون ملهماً لبقية النساء وسيزرع الأمل في نفوسهن للمضي قدماً… إلخ من الكلام الإنشائي! دون أن نغفل الرد غير المنطقي وغير العقلاني الذي ارتجلته المرشحة المولدوفية قائلة: “سأغير سياسة التوظيف في الأمم المتحدة… سأؤجل تعيين رجل في منصب ما ريثما يتم العثور على امرأة تستطيع شغل المنصب مثلاً”! هذا في الوقت الذي تشتكي فيه المنظمة من العراقيل والبيروقراطية خاصة في مجال التوظيف الذي يحتاج إلى ثمانية عشر شهراً لاستكمال إجراءاته. وبهذه المناسبة أعلنت المرشحة الكرواتية عن “سرّ” صغير موجهة حديثها للمذيع: “أنتَ لم تسألني، لكني سأجيب بالقول إنني أناصر المذهب النسوي” والذي لخصته بجملة مُبهمة “خبرة النساء في الحياة أهم من خبرة الرجال”!

المقتطفات المنتقاة أعلاه لا تستطيع الإحاطة بأجواء المناظرة، وليست معنية بإطلاق أحكام على شخصيات محددة بقدر ما تريد تسليط الضوء على مسألة يتم تجاهلها غالباً في سياق طرح قضايا المرأة، وهي أن ليست كل امرأة مناصرة لحقوق النساء بالضرورة، على العكس هناك نساء يعتقدن أنهن بذكائهن أو مهاراتهن الخاصة استطعن أن يصلن إلى مواقع أو امتيازات وعليهن أن يكن ذكوريات أكثر ومتماشيات مع السائد والمقبول ليحافظن على مكاسبهن. وبعبارة أخرى، يجدن أن مصلحتهن قائمة على دوام اضطهاد غيرهن بحيث يحافظن على مكانتهن، خاصة وأن العالم المتحضر يريد اليوم أن يضيف “ديكورات” نسائية، أليفة لا تزعجه بمطالبها عن تغيير أنظمته وطرق عمله وتفكيره. وفي هذه الحالة تقتضي النزاهة الإنسانية (ومصلحة النساء أيضاً) ألا تقف النساء مع وصول امرأة إلى أي موقع لمجرد كونها امرأة وحسب.

بين النساء والنسوية:

يستطيع كل إنسان يمتلك حسّاً فطرياً سليماً أن يدرك حجم مشكلات عالم اليوم، وقد طرح في “المناظرة” عدداً كبيراً من الأزمات والمشاكل سواء الهيكلية المتعلقة بالمنظمة وخصوصاً مجلس الأمن وتركيبته واحتكاره للقرارات الهامة، أو ما يتعلق بتأهيل الموظفين الأممين والرقابة عليهم، حيث عُرضت قضية قيام بعض موظفي الأمم المتحدة “القبعات الزرقاء” بانتهاكات جنسية في أفريقيا، وقضية تسبب بعض الموظفين في نقل مرض الكوليرا إلى هايتي… كما تم تداول الوضع السوري وفقدان الأمم المتحدة لمصداقيتها بسبب عجزها عن إيجاد حلول لكثير من القضايا التي تتفاقم وتنفجر في بقاع متعددة من العالم، وصولاً إلى القول إن الأمم المتحدة أضحت نادياً للدول القوية التي تكتفي بعبارات التعاطف مع الضحايا والمظلومين.

وحيال جبال الأزمات والمشكلات التي تعصف بالعالم ومنظمته الأممية، ينبغي التفكير بحلول أخرى مبتكرة ربما تكون إصلاحية، مثل توسيع مجلس الأمن وضم ليس الدول الصاعدة بالقوة، بل على العكس الدول الأكثر فقراً وتهمشياً وصراعات. والأهم المطالبة بنزع حق الفيتو على أساس أنه حق تمييزي ويتناقض مع مبدأ المساواة بين الأمم والشعوب، خاصة وأن الحديث يجري عن منظمة أمم وليس منظمة دول وسلطات تحتكر الثروة والقوة. وفي هذا السياق جرى التأكيد على أهمية الشفافية في عمل المنظمة وإشراك جهات أخرى غير سلطوية في عملية اختيار موظفي الأمم المتحدة، مثل مؤسسات المجتمع المدني والجامعات وغيرها (وهي فكرة طرحها مرشح رجل وليس مرشحة).

خلاصة القول:

إن تمكين النساء من المشاركة في صنع القرار تقتضي الاستناد إلى قضية النساء نفسها أولاً دون خجل ولا مواربة، فهي قضية تخص البشرية عامة، كما تقتضي حيازة دعمهن عبر نضالات معهن ولأجلهن، وليس عبر تقاسم نسب شكلي يعيد إنتاج العقلية ذاتها والأزمات نفسها. ومرة أخرى، ينبغي التذكير بأن النسوية هي طريقة أخرى في التفكير، بحث في الممكنات المتعددة، مزيد من الخيال المبدع والآمال المعنية بكرامة وحرية ورفاه الجميع، ولذلك فهي تتسع للجميع نساء ورجال.

سيدة سوريا

28/08/2016

لقراءة المقال الاصلي اضغط هنا

مقال ذو صلة

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *