مقالات نسوية

مناهضة التمييز ضد المرأة يعني مناهضة كل تمييز آخر

تكاد لا تفارقني صورة المرأة الفرنسية التي وقفت في إحدى اللقاءات لتقدّم تعليقاً على حديث تناول الوضع السوري. حقيقة لم أفهم كل ما قالته (رغم وجود المترجمين)، لأنها كادت تختنق بدموعها، تبكي دون انقطاع وتتوسل السوريين أن يغفروا لها. قالت ما معناه (لا أستطيع أن أسامح نفسي، كيف أني وعائلتي ومعارفي نعيش كل هذه السنين حياة طبيعية هادئة، وفي سوريا ناس يتألمون، يعذبون، يسجنون ويموتون! وسألت بحرقة: لماذا يحدث كل ذلك؟ كيف يصمت العالم وحكوماته عما يجري؟ وما الذي نستطيع فعله لمساعدتكم؟).

في إحدى الندوات، بلغ الحضور في تعنيف أنفسهم ونقد عجزهم حداً جعل البعض يطالب بقليل من الرأفة والتعامل الهادئ علّه يوصل إلى نتيجة. وكان السؤال المعذّب: ما العمل؟

هذه الظواهر وأمثالها الشائعة في المنافي تشير إلى أمرين مهمين:

الأول، أن الضمير الإنساني والأخلاقي مازال حاضراً عند البشر، على عكس ما يُقال ويُشاع “بخبث”، بغية تعميم مناخات اليأس والإحباط، وبالتالي التسليم بالوضع القائم. مع ملاحظة ضرورة التمييز بين الحكومات العارفة والفاعلة بالأحداث، وبين الشعوب التي لا يساعدها نمط حياتها وثقافتها وإعلام بلدانها على فهم الوضع السوري، الذي يعد واحداً من أوضاع كثيرة مشابهة يقع على عاتق الأوربيين فهمها ومساندتها. ففي بلدان الديمقراطيات توجد تجمعات كبيرة من المنفيين، من الأرمن إلى الكرد، الفلسطينيين، الإيرانيين، الأفغان، الشيشان، الصوماليين والأفارقة… وليس من المعقول أن يستطيع الأوربي الإحاطة بكل تفاصيل الانتهاكات في العالم ليكسب شهادة “الضمير الحي” التي عندما نسحبها من الأوربي فإننا لا نمارس الظلم والتجني فقط، بل نساهم كذلك في خسارة حلفاء محتملين وقوى ضاغطة يمكن أن تخدم قضايانا. وماتزال ذاكرتنا القريبة تحمل صوراً من التفاعل النمساوي مثلاً عندما خرج حوالي عشرين ألف متظاهر لتأييد حق اللجوء، وقبلها حين ساهم أصحاب الضمير والمبادرة في كل أنحاء العالم في حملة التبرع بدولار واحد، وتم جمع مبلغ عجزت المنظمات الدولية عن جمعه حينها، وعلينا ألا ننسى المساعدات اليومية التي تقدم للسوريين في الداخل والخارج طوعاً على حساب وقت الراحة ولقاء العائلة والأصدقاء.

الأمر الآخر، الذي ينبغي مراجعته والتوقف عنده قبل الوقوع في فخ الدعاية السلطوية، وهو قصة الانقسام بين سوريي الداخل والخارج. وكأن السوريين تنقصهم انقسامات بين مؤيد ومعارض، معارض جذري ومعارض وسط، علوي وسني ومسيحي، كردي وعربي، أبناء المناطق المحررة وأبناء مناطق النظام، شباب وكبار (عجائز)، رجال ونساء… وتكاد لا تنتهي التقسيمات والتقييمات ولوائح الاتهام التي تلاحق الجماعات والأفراد إلى كل تفاصيل الحياة الشخصية، وصولاً إلى نوعية الطعام وتسريحات الشعر، بل وحتى المشاعر والانفعالات!

الضمير العالمي ليس كتلة واحدة، مثلما اللاجئون السوريون ليسوا مجموعة واحدة، والتعميم في الحالتين يؤدي إلى العدمية في الممارسة والسوداوية في التصورات واليوميات. حان الوقت للاعتراف بخطورة وجدية قضية اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم حوالي الأربعة ملايين لاجئ خارج سوريا وأكثر من سبعة ملايين داخلها، تتفاوت ظروف معاناتهم وتتنوع وتتعقد لدرجة أصبحت (وينبغي أن تصير) قضية عالمية.

في كل المحن والأزمات هناك فرص يمكن التقاطها والعمل عليها، فتح نوافذ الأمل والعمل عليها ليس مزاجاً فردياً بقدر ما هو خيار واع أصيل لفئات وشرائح حملت راية الحرية والتوق إلى حياة كريمة، وهو في الوقت نفسه من صميم العمل السياسي، أي التعرف إلى الممكنات وتجريبها والبناء عليها. ما يعني في حالتنا السورية العمل على مستويين: مستوى إسعافي يستهدف حماية حق الحياة المرتبط عضوياً بقضايا الصحة والمأوى والعمل والتعليم خاصة، ما يستدعي العمل الدؤوب لتوفير التبرعات والمساعدات وفرص الحياة بما فيها اللجوء الآمن. ومستوى آخر علاجي يتمحور حول حل القضية السورية، هذا الحل الذي ربما يكون أحد مقدماته العمل على إيلاء الاهتمام بقضية اللاجئين واستثمارها لصالح الضغط على حكومات العالم لإنقاذ الشعب السوري. وبالفعل فقد بدأت انقسامات سياسية تظهر بين الأوربيين بناء على الموقف من هذه القضية، الأمر الذي يستدعي ترجمة عملية لطلب “التدخل الخارجي”، فالشعوب لا يمكن لها إلا أن تستقوي ببعضها، أن تطلب نجدة بعضها الآخر الذي يتمتع بدرجة من الحريات والحقوق السياسية، تجعل صوته مسموعاً كإنسان وكناخب يساهم في تقرير شؤون بلاده.

منذ سنوات تطالب النساء بتطبيق اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، ما يضع المرأة سلفاً في صف الدفاع عن العدالة ونبذ كل أشكال التمييز ضد البشر، سواء بالعنف اللفظي أو الإرهاب الفكري عبر تكفير الآخر أو تجريمه أو النيل من خياراته وأنماط سلوكه، سواء كان الآخر المختلف مواطناً سورياً أو غير سوري. يترتب على النساء السوريات، ورغم قسوة معاناتهن وتنوع صور وأساليب حرمانهن، أن يتصدرن مسيرة المطالبة بالحريات والعدالة وحق الاختلاف لأنفسهن كما للآخرين، وأن يحرصن على التنوع والتعدد في السياسة والفكر والاجتماع كما في الحياة التي تتسع للجميع وتغتني بهم.

سيدة سوريا

27/10/2015

لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا

 مقالات ذات صلة

 

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *